مالها إلَّا جلال

أحياناً يفرض عليك الواقع فرائضه ، تحاول الهروب منها ، لكنك لاتلبث حتى تقع فيها . . . هذه حال الدنيا ؛ تفكر صح ، وتتحدث صح ، وتفعل صح ، فيرفض الواقع "الصح" ويُقبل على الخطأ . . . تضل مأسوراً مقيداً مع "الصح" ، وينعم غيرك مع الخطأ .

 

قال يوسف لعزيز مصر {إجعلني على خزائن الأرض إني حفيظٌ عليم} . . وقالت أبنت شعيب {يا أبتِ استأجره إنَّ خير من استأجرت القوي الأمين} ؛ القوة والأمانة والحفاظ والعلم كانت في زمانهم شروط يجب توافرها في من يقوم على مصالح الناس .

 

أمَّا في بلادنا اليوم فالضعف والخيانة والغباء والحبن والهروب هي الشروط..!!! .. لو كان يوسف في زماننا لوجدته ينتف شعر شاربه في المنصورة ؛ عندما يرى اللص أميناً للصندوق ، والصعلوك أمام مسجد ، والإمَّعات قيادة مقاومة في الرياض . 

 

فلماذا نستغرب أن يغدوا القوَّاد رئيس محكمة...؟ .. ألسنا وطناً واحداً كما يقول الرئيس هادي ؛ والوطن الواحد تسوده ثقافة واحدة ؛  . . هذا واقع اليمن منذ عشرات السنين ؛ ولن نجد فرق بين الرئيس هادي والرئيس صالح والإمام أحمد .

 

الرئيس صالح عين لصاً في منتصف الثمانينات مديراً لمباحث صنعاء ؛ وهو اليوم محافظ وأبنائه مدراء أمن . . . والإمام عين قاطع طريق شيخاً يحرس الطريق ، ولطرافة قصة الإمام أرويها لكم ؛

 

يُحكى أن ؛ عصابة لقطع الطريق اشتهرت في خمسينات القرن الماضي في تهامة "بين الحديدة وجيزان ؛ ضاق بها الناس ، وأصبح حج بيت الله من المستحيلات في ذلك الزمان ، فهذه العصابة لم تكن ترحم حاج ولامسن ؛ الجميع كان هدف للفيد ، ومن يقاومهم يقتلونه .

 

سيَّر الإمام أحمد السرايا واستعان بالقبائل لحماية قوافل الحجاج لكنَّها عجزت أمام هذه العصابة الشيطانية . . . قبض على نائب رئيس العصابة ، وأقام عليه حد الحرابة (قطع يد ورجل من خلاف) لكنَّ العصابة لم تنتهي ، ولم تنحسر عملياتها ، بل طوَّرت أساليبها .

 

ومع هذا العجز الرسمي والشعبي ؛ قرَّر الإمام الإذعان وسار الشعب خلفه في الرضوخ لإرادة العصابة الشيطانية . . . فقال للقبائل ؛ لقد عجزتم عن تنصيب شيخ بقوة وكفاءة قاطع الطريق ، ولا أجد من وسيلة لحماية عابري السبيل والحجاج في بلادكم إلَّا أن أعينه شيخاً عليكم ، وأتنازل له بنصف الزكاة ، فبايعوه .

 

وتمت المشيخة لرئيس العصابة على قبائل الخضارية . وكان أول قراراته جمع كل أفراد عصابته وشكل منهم إدراة للمنطقة ، وجعل نائبه في العصابة نائبه في المشيخة . . . صحيح أنَّه وعصابته أكلوا القبائل ، لكنَّه أمَّن عابر السبيل وأمَّن طريق الحج .

 

هذه القصة ليست خيال ، بل حقيقة ؛ أنا تعرفت على رئيس العصابة شخصياً "الشيخ عبدالله يوسف يرحمه الله" . . . حين رأيته أول مرَّة في ثمانينات القرن الماضي كان قد تجاوز الستين من العمر . متوسط الطول مفتول الجسم ، ترى على وجهه ملامح الشدَّة والقسوة ، وتتملكك مهابة من قسمات وجهه ، لاتعرف سببها .

 

في ذلك اليوم ؛ دخل الشيخ عبدالله يوسف كعادته ورشة صيانة المعدات التي يملكها جدي يرحمه الله ، فألقى السلام ثم أتجه إلى جدي  مباشرةً ، وقبله على رأسه ثم يده . . . قال أحد الحاضرين مازحاً ؛ أنت شيخ الخضارية ، ماتستحي تجلس تبوس رأس اليافعي ويده...؟  .. فرد عليه ؛ "ذا حيدرة ، حيدرة المصلي" وهذا الرأس كسر كمن راس .. باأجلس أبوسه طول حياتي ، عشان لو أختلفنا يوم مايرضاش راسه ينطحني)

 

قد تكون شخصية جدي هي مثال الشخصية اليافعية ؛ فقد كان يرحمه الله طيب القلب ، كريم ، سموح ، هادئ هدوء نسمة الهواء ، يمكن أن يحتال عليه أي شخص بكلمتين ، وكان يصرِّح بها "خدعني فلان...." وهو مبتسم ويضحك ، تشعر بالسعادة تنبع بين عينيه وهو يقولها...! .. لكنَّه كان إذا ثار يصبح مثل الجمل الهائج ، لايستطيع أحد إيقافه ، فردعة -نطحة-  من رأسه تسقط الضحية مغشياً عليه .

 

مع الأسف طالت قصة عبدالله يوسف ، ونسيت لبَّ الموضوع "محافظ عدن" الذي نأجله إلى مقال آخر ، لأني بصراحة لااستطيع حذف ذكر جدي يرحمه الله .. ونكتفي هنا بنصيحة للرئيس هادي بخصوص عدن ، ونقول :

 

سلم ملف عدن وملف الإعمار للسيد جلال هادي ، وعينه قائد للمقاومة ، وسوف يجمع فريقه ويقوم بكل شيء ، سوف تنتهي البلبلة وتتضح الرؤيا ، فهو الأقدر على إنهاء مهمة أخوتنا الإماراتيين بسرعة ليعودوا إلى بلادهم سالمين .



مقالات الكاتب