كنّا دولة
وما نلاحظه أخيرا، وفي هذه الأيام تحديدا من بعض مقاولي الظهور على الشاشات الفضائية كحق حصري أو كوكلاء حصريين للحديث عن الجنوب بماضيه وحاضره ومستقبله وياليتهم يقدمون نموذجا يجذب التعاطف الداخلي قبل المحيط الإقليمي والدولي حتى يعطي انطباعا يرتسم في مخيلة المتلقي أننا فعلا أمام جنوب جديد وهذه ملامحه واضحة للعيان، لكننا للأسف الشديد لا نشاهد إلا الدوران في مصطلح تلك العبارة “كنّا دولة”، وبالصميل افهمونا.
وينسى هؤلاء الأحبة أن الشعوب والدول قد قطعت مسافات هائلة في الفهم والإدراك الذي ربما لم نزل نحن في أبجدياته الأولية، وإلا لما بقينا سبع سنوات وتزيد ندور في نفس الدائرة حول أنفسنا وأضعنا السنوات المتتالية ونحن نكثر الجدال حول زعامة هذا وشرعية ذاك ومكوّن زيد وملتقى عمرو وأحقية هذا واندساس الآخر، ووطنية عمي وخيانة خالي وهلم جرا، مما يعطي للخصوم والمناوئين الفرصة لنسف كل تطلعاتنا ووأد أحلامنا في مهدها، وسيقول أفضلهم طريقة اذهبوا اتفقوا ثم تحدثوا عن قضيتكم، ونحن بالتالي جنينا على أنفسنا وعلى تطلعاتنا التحررية لأننا بقينا أسرى لثقافة “كنّا دولة”، وهناك من يريد لنا ذلك ويعمل جاهدا على تكريس تلك الثقافة ويقلب الحقائق رأسا على عقب، ونسينا وتناسينا، أن تلك العبارة “كنّا دولة” أو بالأصح تلك القيادات التي جعلت الدولة في قعر الهاوية، وهي من أوصلتنا إلى هذا الحال والله أعلم بالمآل.
فهلاّ تعلمنا من الآخرين كيفية تحقيق الأهداف وكيفية إدارة الصراع مع الخصوم على كل المستويات الميدانية والإعلامية، والحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أحق بها.
فلو القينا نظرة قريبة إلى الوراء منذ عشر سنوات تقريبا ومع أول حرب شنها نظام علي صالح في صعدة ومن يشاهد إلى أين وصلت الحركة الحوثية ( أنصار الله) في تحقيق أهدافها في مدة قصيرة بغض النظر عمن يتفق معها ومن يختلف، سيعرف أن رسم الهدف والمضي نحوه هو ما نحتاج إليه بعيدا عن التنظير والعودة للوراء في معطياتنا.
نعم كنا دولة، وسنبقى نحتاج الآن فكرا جديدا لنكون دولة متواكبة مع الألفية الجديدة، نحتاج أهدافا ترقى بنا بعيدا عن الهدف الشخصي الحزبي الضيق، نحتاج أن نوسع دائرة نظرتنا لمفهوم الدولة لتتسع للجميع، ولتكن بحجم الوطن الكبير، لا بحجم تصوراتنا لأنفسنا.