قشة الغريق

الحراكيُّونَ حائرونْ.. تائهونْ.. في أنحاءِ جَنُوبِهم، أو مُتوَّهونْ.. يستخبرونْ.. عن الوعدِ الجامعِ متى يكونْ.. ويتساءلونْ.. هل حقاً يكونْ؟.. والحديث أيها الأحِبَّةُ كما تعلمونْ.. ذو شجونْ.. لا يُحيطُ بِها في الأرضِ من أحَدٍ، إلَّا التحريريُّونَ الاستقلاليُّونْ.. وكذلكَ مثقفونْ.. يبتغونْ.. جنوباً لم يعرِفْهُ من قَبْلُ العارفونْ.. ولا من بَعْدُ ، رُبَّما، وإلى يومِ يُبعثونْ.. مثقفون من أجل جَنُوبٍ جديدْ.. ذوو رأيٍ رشيدْ.. وهَدَفٍ سديدْ.. وعَزْمٍ لا يلينُ شديدْ.. ونظرٍ ثاقبٍ مديدْ.. يمتدُّ في كلِّ شؤونِ الجنوبِ إلى بعيدْ.. يُبْصِرُ ما لا نُبصرُ وتُبصرونْ.. ويَقْدِرُ على ما لا نقدِّرُ نحن، ولا أنتم تقدِّرونْ.. منهم من قضى وَطَرْ.. وأدركَ ما ظَهَرْ.. واستبان لهُ من الأمور ما استَتَرْ.. فأضحى وهو على سَفَرْ.. ومنهم من ينتظرْ.. يقتات على الأحلامِ مثلنا، ويستجرْ.. ولم يشُدَّ القضيَّةَ مع الرِّحالْ.. ولا تطَلَّعَ إلى خسيسِ الآمالْ.. فهو لا يزالْ.. يعزِّز لدى الناس ما وَهَى من الأملِ والحِبالْ.. ولو نَسَجَ على مِنْوالِ الخيالْ.. رافعاً لهم ما يُدَغْدِغُ القلوبَ من الأقوالْ.. وما يُخَدِّرُ العقولَ من وهمِ التحرير والاستقلالْ.. والهُوِيَّةِ اللقيطةِ التي استحدثّها للناسِ الابتذالْ.. لتنقادَ بهِ بدلاً من تقرير المصيرِ، إلى بِئْسِ المصيرِ وسُوْءِ المآلْ.. ومنهم المصدِّقونْ.. الذين ينظرونَ ولا يرونْ.. ويحسبون أنهم يحسنون لهذا الجَنُوبِ، وهم لا يحسنونْ.. ولا هُمْ يكاشفون الناسَ بما يعلمونْ.. أو حتى بما يخطُرُ لهم من الظنونْ.. ولا يعترفونْ.. بأننا أخطأنا عام ألفين وأحَدَ عَشَرْ.. إذِ انصرَفْنا عن الرُّشْدِ وقد ظَهَرْ.. فضَلَلْنا الطريقْ.. وتشتَّتْنا جُمْلةً وتفريقْ.. وتمزَّق شملُ حراكِنا شَرَّ تمزيقْ.. حتى انتهينا منذ عامٍ إلى قَشَّةِ الغريقْ.. وما أدراك ما قَشَّةُ الغريقْ.. يُسَمُّونها مؤتمرَ الجَنُوبِ الجامِعْ.. ويا لَهُ من جامعْ.. حُلُمٌ فاجعْ.. لم يُحَقِّقْ سوى الفُرقةِ أكثرَ على أرضِ الواقعْ.. إذْ أقصَى كُلَّ صوتٍ عدا الصوتِ القامعْ.. واللونِ الفاقعْ.. ولَئِنْ قيل أنه لا محالةَ واقعْ.. فهو برقٌ خادعْ.. وسرابٌ لامعْ.. يلوح للظمآنينَ التائهينَ بين القفارِ وفي البلاقعْ.. حتى إذا اقتربوا منه لم يُرْوَ الظامئونْ.. ولا ابتلَّ لهم ثَغْرٌ منهُ، ولم تَلْمَحْهُ العيونْ.. إلَّا وهْوَ على بُعْدِ مسافاتٍ شاحطَةْ.. عندَئذٍ ينكشفُ الرَّابطُ العجيبُ المستورُ، والرَّابطَةْ.. ويُسْقَطُ في يدِ الناشطِ والناشطةْ.. ولا ينتبهُ الأكثرونَ، إلا وقد خبطَتْ في الأرضِ خبطَ عَشْواءَ الخابطةْ.. فلكلِّ ساقطةٍ في الأرضِ يومَها أكثرُ من لاقطةْ.. أفلا يَتأمَّلونْ.. أم يستكبرونْ.. كما عهدناهُمْ، وللحقائقِ ينكرونْ.. ألا ضّلَّ من تولَّى أمرَ قيادتِهِ الجاهلونْ.. ألا ذَلَّ من توَلَّى أمرَ قيادتِهِ الجاهلونْ. *(خاطرةٌ منَ النَّثْرِ الْفَنِّي)

مقالات الكاتب