من صعدة إلى الضاحية.. استنساخ المعادلة الإيرانية

بين حزب الله وجماعة ميليشيات الحوثي قواسم عدة، أهمها منبع الدعم ومصدر التوجيه.

وخلال عقد كامل من الحرب التي مُنِىَ بها اليمن بسبب تمرد الحوثي ومناصريه، عملت إيران بجدية على تقوية ميليشيات تتحكم بها في صنعاء، تكون قوة عسكرية تفرض واقعا، وصار معلوما أن طهران عملت بجدية خلال سنوات طويلة سابقة، على استنساخ حزب الله في جبال اليمن الصعبة، وظهر جليا في مكونات الميليشيات الحوثية تغول جناح المد المذهبي لمصلحة «قم» أكثر منه لمصلحة «صعدة». والذي تنامى أكثر خلال السنوات الأخيرة. حيث يمكن رؤية الخطاب الإعلامي والسياسي الذى يتجاوز دائرته الزيدية التقليدية لمصلحة مرجعية التشيع للمد الثوري الإيراني.

ومع مقتل حسن نصر الله تصاعد الاهتمام الإيراني بعبد الملك الحوثي كشخص ليسد هذا الفراغ الإقليمي المهول لطهران. فقد كان حسن نصر الله رقما يتجاوز ساحته الوطنية. ساعد بذلك شخصيته الطموحة، التي ترى نفسها أكبر من حصرها بموقع قائد محلى. كان وضعه في لبنان أشبه بوضع حوت في علبة سردين. لهذا تقمص دور زعماء عرب سابقين، وورث معظم مهام قاسم سليماني ميدانيا، لينتهي به المصير نفسه. وشكل مقتله وضرب معظم قوة حزب الله، خسارة تفوق أي خسارات إيرانية أخرى، وبرز فراغ إيران بالمنطقة مكشوفا أكثر من أي وقت مضى. من هنا رأت طهران أن تعويض هذا الفراغ قد يأتي من اليمن. فالحوثي الذي تقمص شخصية نصر الله في مظهره وخطابه وحتى حركة يده أمام الكاميرا، وإن بقي الفارق شاسعا في الحضور والإمكانات. يسعى إلى هذا الموقع ما استطاع إليه سبيلا.

وسعت إيران إلى تكريس الجماعة كقوة إقليمية تهدد الاستقرار الدولي، لا كتمرد داخلي محدود. هذه الاستراتيجية ليست جديدة؛ فقد طبقتها طهران سابقا في لبنان بجعل حزب الله يتحكم بالقرار الأمني والسياسي، بينما تدفع الدولة والشعب الثمن. لكن في اليمن، انقض الحوثي في لحظة غفلة، وضمن معادلات مرتبكة، على ترسانة الجيش السابق وكثير من كوادره، وأعتقد أنه قادر على ابتلاع الدولة كاملة. وهكذا اندفع نحو إعلان تمرده الكامل على سلطة شرعية تخيل انه سهل القضاء عليها وعلى إرادة الناس أجمعين.

وقاد اليمن إلى عشرية سوداء لحرب مؤلمة لم تنته بعد. بصورها العسكرية والاقتصادية المختلفة. وكما ابتلع حزب الله وهج نصره فخسر قادته ومعظم قوته يسقط الحوثي في كهفه البعيد.

اليوم يعاد ترتيب أدوار الأذرع الإيرانية، حيث ذهب على لاريجاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران، الى بيروت، يقول للبنان إن سلاح الحزب خط أحمر.

رسالة لاريجاني الى من يهمه الأمر قالت: سحب سلاح حزب الله «ممنوع».

فرد لبنان بمكوناته المختلفة إن دور إيران المتحكم بقرار البلد انتهى، ولا سلاح خارج الدولة.

فردت إيران بخطاب عبر صنعاء، ظهر الحوثي مهددا الدولة اللبنانية، متقمصا شخصية قائد مقاومة لم يعد حاضرا في الأذهان كما كان عليه الأمر قبل سنوات.

ظهر الصوت باهتا، لتراجع دور إيران كلها وليس فقط لضعف إمكانات الأذرع الجديدة. وكرر الحوثي ثانية هذا الوعيد، ومصعدا نبرة الشتائم لدول الإقليم، في محاولة لجر المنطقة لصراع جديد. وحصرت الميليشيات الحوثية كل خطابها الآن بأنها قامت من أجل غزة والأمن العربي، وليس تمردا داخليا في الجبال البعيدة. وهو السيناريو الواضح لإيجاد معادلة جديدة تعيد لإيران الحضور الإقليمي الوازن من البوابة اليمنية، بعد إغلاق معظم النوافذ في وجه مد الحرس الثوري والخسارات الواسعة في الجبهات المختلفة من بيروت ودمشق ومعظم المنطقة.

ولكن ما لا تدركه طهران هو حجم الرفض للمشروع، والغضب اليمنى المتنامي في مواجهة الميليشيات الحوثية المتمردة، حيث يرى اليمنيون أن العشرية السوداء المستمرة، من حرب واسعة تبقى مسئولية هذا التمرد. وان كل خطوة نحو الاستقرار لابد أن تنطلق من نهاية التمرد نفسه. وان كل جهد يريد ان يكرس حضور الحوثي إقليميا ليس أكثر من عبث ينم عن جهل بواقع يمنى أكثر تعقيدا مما يراه الآخر خارج اليمن.

وان الواقع اليمنى أعقد من أن يُختصر في نسخة مكررة من واقع آخر، والرفض الشعبي أعمق من أن يُدار بالوكالة.

مقالات الكاتب