تمرد مؤسسات الدولة أخطر من انقلاب الحوثي

ما صرح به محافظ البنك المركزي اليمني، واشار اليه الاعلامي المتميز فتحي بن لزرق عن رفض عدد من مؤسسات الدولة رفد البنك المركزي بالإيرادات وتحويلها بدلاا من ذلك الى مراكز الصرافة لا يقل خطورة عن التمرد الحوثي في صنعاء ، بل قد يكون هذا الشكل من التمرد الاقتصادي اكثر فتكا لانه يضرب فكرة الدولة من جذورها ويقوض بقايا المؤسسات التي صمدت في وجه الحرب.

حين تمنع الإيرادات العامة من دخول البنك المركزي ويتم التلاعب بها عبر شركات صرافة مشبوهة فإننا لا نتحدث هنا عن خلل إداري بل عن جريمة مكتملة الأركان انها عملية نهب منظم للمال العام وتدمير ممنهج للعملة الوطنية وعبث بمصير شعب بأكمله.

زمن المعلوم ان سيادة اي دولة تبدا من قدرتها على التحكم في اموالها العامة والبنك المركزي وعندما تتحول المؤسسات الحكومية الى ادوات في يد الفساد وترفض الالتزام بالقانون المالي فاننا نكون امام مشهد لا يختلف كثيرا عن تمرد المليشيات وانقلابها على الشرعية وتمرد المؤسسات انقلاب على الدولة المتمثل بالبنك المركزي اليمني الفارق الوحيد هو ان السلاح هنا هو المال ومايحدث سيؤدي الى انهيار السيادة المالية.

اصبحت مراكز الصرافة اليوم تملك سلطة على سوق العملة اكثر من البنك المركزي ذاته تضخ عبرها الايرادات وتدار من خلالها عمليات تلاعب في ظل غياب تام للرقابة والمحاسبة ، هذا التمكين لمراكز الصرافة يكرس نظاما موازيا يدير الاقتصاد من خلف الكواليس ويجعل من البنك المركزي مجرد ديكور، فيما تحولت شركات الصرافة الى بديل خطير مع ما لذلك من ابعاد كارثية على الاقتصاد قد تؤدي إلى مزيد من الانهيار وارتفاع معدلات الفقر وتفاقم التضخم وتاكل قيمة الريال اليمني بشكل متسارع وتفاقم التضخم وارتفاع اسعار السلع والخدمات وعجز البنك المركزي عن اداء دوره في ضبط السوق ومسرح وتوسع عمليات غسيل الاموال التي قد ترتبط بشبكات اقليمية خطيرة.

اليوم مطلوب وقفة مسؤولة وانقاذ ما تبقى من الدولة بمعالجة هذا الملف الخطير بكل شجاعة وعلى الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي والتحالف العربي وكل قوى المجتمع ان تتعامل مع هذا التمرد المالي كما يتعامل مع التهديدات الامنية والعسكرية 

فالدولة لا تسقط فقط بالدبابات بل قد تسقط ايضا بالعبث المالي والتمويل الموازي ما لم تتخذ مجموعة من القرارات الحاسمة لوضع حد لهذا الانفلات ضمن حلول ممكنة :

1. تجريم التحصيل خارج قنوات البنك المركزي بموجب قانون نافذ وقرارات سيادية.

2. اغلاق شبكات الصرافة غير المرخصة ومراقبة كل مراكز شبكات الصرافه وملاحقة من يثبت تورطهم في غسل الأموال.

3. اعادة هيكلة البنك المركزي وضمان استقلاله واستعادة الثقة الداخلية والخارجية به.

4. دعم الشفافية والمساءلة عبر اشراك المجتمع المدني والصحافة في الرقابة المالية.

5. الضغط الدولي والإقليمي المشروط بتنفيذ صلاحات اقتصادية واضحة.

 ان قيادة البنك المركزي يجب ان تسند إلى كفاءات اقتصادية ومالية مستقلة تمتلك الخبرة والنزاهة بعيدا عن المحاصصة الحزبية والسياسية التي دمرت مؤسسات الدولة وشلت قدراتها فالبنك المركزي ليس ساحة لتقاسم النفوذ بل مؤسسة سيادية تحتاج إلى عقل مالي حكيم قادر على ادارة السياسة النقدية واستعادة الثقة الداخلية والخارجية وضبط السوق ومواجهة العبث بسعر الصرف والمال العام وان استمرار التعيينات وفق الولاءات والمحاصصة يعني مزيدا من الانهيار ولا سبيل للاصلاح دون قيادة مستقلة تعلِي مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.

ان تواطا مؤسسات الدولة على تجويع شعبها ونهب موارده فإننا امام جريمة لا تغتفر وما لم تكن هناك وقفة جادة لمحاسبة الفاسدين ووقف هذا العبث فان الوطن سيبقى رهينة لحفنة من المنتفعين الذين لا يؤمنون لا بدولة ولا بقانون.

مقالات الكاتب