إدارة الإفقار والتجويع
حوصر قطاع غزة ومنع عنه الطعام والشراب من الكيان الصهيوني مستخدما ذلك كسياسة لتركيع الشعب الفلسطيني غير مكترث لتجويع ما يزيد على مليوني نسمة، ومن الأطفال والنساء وكبار السن من لقي نحبه جراء ذلك على مرأى ومسمع من العالم، لتصبح أسوأ أزمة إنسانية شهدها العصر، وقد سبقت مليشيا إيران الكيان الصهيوني في سياسة التجويع في اليمن والعراق ولبنان وسوريا- خرجت الأخيرة عن النطاق وتحررت من الهلال الشيعي لإيران الشر- والفارق بين الكيانين المجرمين أن إيران تستخدمها كسياسة من أول يوم وطئت فيه الأرض العربية عبر وكلائها الحصريين، وتضيف إلى عامل التجويع عامل الافقار، والعامل الثالث هي إدارتها للعاملين الإثنين في هدوء وصمت وفاعلية.
في اليمن كان من أولى أولويات مليشيا الارهاب الحوثية القضاء على الاقتصاد، فأدارت سياستها ضد اليمنيين على مدار يزيد عن عشر سنوات بخطوات ممنهجة، وكان أول خطوة قامت بها إيقاف تسليم رواتب الموظفين الحكوميين، ولكم أن تتخيلوا الأسر الواقعة تحت الاحتلال الحوثي، فمنذ انقلابها على الشعب اليمني الذي يزيد عن عقد من الزمن بلا دخل بتاتا، أما العمل الخاص كمؤسسات وشركات صناعة الغذاء والمرطبات والتأمين والاستيراد والتصدير والمقاولات والهاتف السيار والمشافي والمدارس الخاصة وغيرها، فللحوثي أدوات هدم وخراب خاصة بها، فقد أرهق كواهلها بالضرائب والمكوس التي لا تتوقف طوال العام وبمسميات وشعارات مختلفة، ومن رفض الدفع فالسجن مصيره أو مصادرة بضائعه أو الاستحواذ ووضع اليد على أصول الشركة أو المؤسسة، وهو وضع الغالبية، حتى أعلن الكثير من التجار إفلاسه، وما تبقى من شركات ومؤسسات أصبح هو من يديرها عبر إدخال كوادره في مجالس الإدارة أو كمدراء لكافة الإدارات ليصبح ملاكها الأصليين أجراء لديه، أما الوكالات فهناك من يحاصرها وينافسها من اتباعه، وبعض التجار استعجل الأمور بعدما رأى استيلاءهم على السلطة، ونقل نشاطه التجاري خارج اليمن.
وفي النظام المصرفي أوجدت المليشيا تصدعات اقتصادية طالت كل بيت من خلال مصادرة العملة الصعبة والمحلية للمحافظ الإتمانية والصناديق الخاصة في البنوك الحكومية، أيضا اهتراء العملة الورقية لجميع الفئات وعدم استبدال التالف منها حتى صارت في أيدي المواطنين كالفسيفساء، فكل ورقة مالية في فئتها لا تشبه قرينتها لكثرة لصقها وخياطتها، ولمعالجة الأمر بحسب رأيه طبع وصك عملة مزورة غير معترف بها ولا غطاء لديها، وليس المعني بإصدارها، ومنع عملة الحكومة من دخول مناطقه المحتلة، كما استولى على أغلب البنوك الأهلية ومحال الصرافة ليغسل عبرها الأموال، ويضارب بها ويتلاعب بالصرف ويسحب العملة الصعبة، ونتيجة عبثه وحربه المحموم على الاقتصاد ارتفع التضخم، وانعدمت العملة من الأسواق، ولم يعد لها وجود، وأصبح الناس يبيعون ويشترون بالمقايضة، أو التحويل من شخص لآخر.
ولزيادة الإضعاف الممنهج للاقتصاد خنق الملاحة البحرية، وأوقف الإنتاج المحلي ليستبدله بالاستيراد الخارجي وبخاصة من ربيبته إيران على غرار المشتقات النفطية والغاز والفواكه وغيرها من المنتجات، حتى أصيب المنتج المحلي بالكساد، فالمزارع لم يعد باستطاعته المنافسة واسترجاع خسارته من بذور وسقي ونقل وتخزين وغير ذلك، واختل بذلك نظام أهم قاعدتين تجاريتين المتمثل في العرض والطلب، أو بشكل أصح تم تأبينهما فلم يعد ثمة طلب للسلع وإن وجد فالسيولة منعدمة، والعرض استبدله بالمستورد الخارجي بدلاً عن المحلي مسبباً استنزاف العملة الصعبة، والمزارع لم يعد باستطاعته التصدير بسبب العراقيل والحصار.
لم تكتف مليشيا الحوثي بكل هذا، بل صادرت المساعدات الإنسانية لكوادرها وطيعتها للتجنيد في حربها، وأصبحت وسيلة تبتز بها اليمنيين، ومقابل سلال غذائية ترسل المحتاجين إلى جبهات حربها رغم معرفتهم بمصيرهم البائس والمأساوي، واحتمال عدم رجوعهم لمنازلهم إلا أنهم يؤثرون الموت مقابل أن يقيموا أود أسرهم، فصار اليمنيون محاصرين وجوعى مثل غزة إن لم يكن أشد وأنكى، أجاع الله من أجاع غزة واليمن.
*نقلاً عن سبتمبر نت