من هو اليمني؟
بين فترة وأخرى، تظهر أصوات نشاز، تحقر من الشأن اليمني والشخصية اليمنية، وتلقي بأمراض العصر على اليمنيين، في حالة استثنائية وتسلل من السلبية والصراعات المختلفة، وتعمد إلى جلد الذات والشعور بالدونية، بحجة المعرفة أو الحياد، أو الواقعية. فمن هو اليمني والشخصية اليمنية عبر التاريخ؟!
اليمني هو ذاك الرجل العاشق لأرضه ووطنه ويقدسه ويحيل جباله الصماء إلى حدائق معلقة، وصحراءه إلى واحات خضراء، تجمع بين متعة المنظر وإنتاجه الغذائي، ويبتكر لها أفضل طرق الري من أنهار وبحيرات اصطناعية.
هذه الجزئية وحدها جعلت علماء التاريخ والآثاريين يقولون: إن هذا الصنع البديع أعظم حدثاً من الأهرامات المصرية.
اليمني هو الذي شيد السدود المائية لاستثمار مياه الأمطار لأن اليمن ليست بلاداً نهرية فاستعاض بالسدود عن الأنهار وحول بلاده إلى جنان خضر دونتها أعظم الكتب المقدسة وهو القرآن الكريم (بلدة طيبة ورب غفور)، حتى والقرآن الكريم يذم بعض أفعالهم ويدون العقوبات على بلادهم، فقد بين أن عقوبات اليمنيين لم تكن استئصالية كما هو الحال مع أمم أخرى كعاد وثمود والفراعنة والرس وغيرها، بل كانت مخففة تبقي على حالتهم البنيوية، ولكنها للعظة والدرس، قال: {وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ}سبأ16..
وأما طلب اليمنيين بعد الأسفار، الذي اتخذه البعض منقصة بحق اليمنيين عبر التاريخ، فقد كان لسبب تجاري والتوسع فيها، وكان فيها ما فيها من نسج العلاقات الدولية بين الأمم والشعوب السابقة، وسع من نفوذ الدولة وعلاقاتها بالمحيط، فكانت إيجابية في العقوبة أيضاً ﴿ {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}سبأ19، وهذا ما نجده في الكم الهائل من النقوش اليمنية في اليونان ومصر وغيرها، وما دونته عنهم النقوش الأخرى الأشورية والبابلية، وحتى أسفار العهد القديم والجديد. وكذلك حب الترحال والتوسع لدى اليمنيين في استيطان بلاد أخرى.
اليمني هو الذي ابتكر للعالم أهم وسيلة للتخاطب والتواصل وهي الأبجدية المبكرة قبل المسند والتي تطورت فيما بعد إلى عدة لغات أطلق عليها العلماء مصطلح “اللغات السامية”، فكانت تعتبر ثورة العالم الأولى المعرفية، تشبه إلى حد كبير ثورة الإنترنت اليوم.
هو ذلك الإنسان الحيوي النشط المؤتلف المؤثر في محيطه، المعتمد على نفسه في كل شؤون حياته، سواء كان عبر دولة راعية منظمة لحياته، أو فرداً يسخر كل شيء في سبيل عيشه ورفاهيته، فهو يمتلك من الخصائص النفسية والسيكولوجية والإندماجية فيمن حوله مؤثراً ومتأثراً، حتى أن دولاً مثل الإسلامية الأولى في عهد النبوة والخلافة الراشدة وكذلك الأموية والعباسية كانت تعتمد على اليمني اعتماداً كلياً.
اليمني هو صاحب المبادئ العليا والمثالية التي ما إن يؤمن بها فيهبها أغلى ما يملك وهي حياته، دون نكوص أو غدر أو تخلف؛ ففي الوقت الذي كانت الجزيرة العربية كلها ترتد عن الإسلام بعد موت النبي -صلى الله عليه وسلم- كان اليمنيون ثابتين على مبدئهم الديني، التحقوا بالدولة في سبيل الدفاع عنها وحماية الدين.
ولذلك انتشر اليمنيون شرقاً وغرباً ناشرين للدين الإسلامي بأمانتهم وأخلاقهم وورعهم، في شرق آسيا والمغرب والأندلس وبلاد القوقاز وغيرها، دليل على هذه الحيوية والمبدأية وسمو الأهداف ونبل الغايات.
اليمني هو الذي ما إن يؤمن بالدولة ويأتلف حولها وينتظم تحت رايتها حتى يبدع كل الإبداع، ولذلك رأينا إبداعه في عهد الدولة الرسولية، والتي ما زالت اليمن مدينة لها بثقافتها وعلومها إلى اليوم.
اليمني هو المبدع في وطن الاغتراب والمهجر، فنجد منهم النوابغ في مختلف العلوم إن ساعدتهم الظروف، كما هو حال الكثير من البروفيسورات في مجال الطب والتجارة والفن، وبرز أعلام في هذه المجالات لا يمكن أن تنكر أو يستهان بها.
اليمني هو صاحب القيم المحافظة والأصالة والأخلاق التي تجعله لا ينهار بانهيار الدولة فيتحول الى وحشٍ كاسر أو فوضوي ينهب أخاه وجاره ويقتل وينشر الفوضى والعبثية في كل مكان.
لقد كانت الإمامة عبر التاريخ تعمل على انهيار الدول اليمنية المختلفة وتنشر الصراعات وتشجع على النهب والسلب، لكن اليمني بحكم أخلاقه وعاداته وتقاليده القبلية والدينية أيضاً لم يسطو على أملاك جاره أو أخيه، وأكبر دليل اليوم؛ عندما انهارت الدولة وسيطر الإماميون الجدد عليها، لم نجد العبثية المجتمعية والانهيار الأخلاقي لليمني ليتحول إلى فوضوي تدميري كما هو الحال في بعض الدول التي نشاهدها اليوم.
على العكس من ذلك تماماً؛ فقد عمل اليمنيون، كأفراد، إلى مساعدة بعضهم بعضا، ولولا المغتربين الداعمين للأسر اليمنية عبر الإعانات المختلفة لما شهدنا هذا التماسك والتكافل الاجتماعي، الذي يعكس نبل وأخلاق اليمنيين بينهم البين. لذلك فإن النهب الحاصل اليوم هو من تلك السلالة الهمجية التي ترى أن كل أملاك اليمن العامة والخاصة ملكاً لها، وأن الله سخر اليمنيين لرفاهيتها، فذهبت تجبي الأموال من هنا وهناك بحجج مختلفة، ومن لم تجبه نهبته وصادرت أملاكه.
اليمني هو المبرز في كل المسابقات الدولية، كما نشاهدها اليوم، سواء عبر مسابقات القرآن الكريم، أو أمارة الشعراء، أو مليونية الشعر، أو المجالات الثقافية والرياضية الأخرى.
اليمني هو النبوغ العلمي للهمداني ونشوان الحميري، والشوكاني، والصنعاني، والزبيري والنعمان والبيحاني وابن علوان، وغيرهم اليوم الكثير.
اليمني هو ذلك النبوغ البردوني في الشعر الذي لا يضاهى، وهو يتصدر المحافل العربية والدولية شعراً وفناً، وهو المقالح المجدد في الشعر العربي، ويعتبران من أعمدة الأدب العربي المعاصر.
هو المتصدر مجالات الطب في العالم للأخوين بامشموس، والعبسي والقباطي، والأشول ونشوان، وغيرهم كثير.
اليمني هو الفنان العربي أبو بكر سالم، وطلال مداح، وأيوب، وغيرهم.
اليمني هو ذلك الرياضي النشء الذي يصل إلى نهائيات كأس العالم دون دعم ولا تدريب ولا رعاية ولا تشجيع، ومع ذلك يخترق كل الحجب والحواجز والعوائق فيصل إلى النهائيات، ويحصل على الكأس مرتين للناشئين في آسيا.
لا شك أن هناك أشياء سلبية موجودة بين اليمنيين، حالهم كحال بقية الأمم، لكن السلبية قليلة، والإيجابية كثيرة.
فالصراعات البينية تحصل في كل الأمم، ولنا في ما يجري حولنا درساً، وهي حالة استثنائية، ولا تقاس الحالة الجمعية التاريخية على الظروف الاستثنائية فتطلق كتعميم بارز وسمة عامة على كل التاريخ اليمني، لكن من يصغرون في نظر الآخرين ويرون أنفسهم أقزاماً مقارنة بمن حولهم، يشعرون بالدونية المقيتة فيعودون لجلد ذواتهم، ولا يرون في أنفسهم إلا كل شيء قبيح وسلبي، وهذه من أعظم الأمراض المجتمعية التي تصيب المجتمعات وتعمل على إحباطها.
إنه ولا شك أن على اليمنيين مناقشة أوضاعهم بكل شفافية، فيما بينهم البين، والعمل على حلها، ولكن ذلك يأتي من خلال الأوعية والمحاضن الفكرية والمجتمعية كالندوات واللقاءات ووسائل الإعلام المختلفة، والمنابر وغيرها، وتكون في إطار داخلي عبر وسائل تقييم ومعالجات شاملة وليس غبر وسائل إعلامية خارجية الغرض منها التشهير أو تقديم الشخصية اليمنية بكل تلك السلبية التي يظهرها البعض بين فترة وأخرى، وتتحول إلى حالة من الاستنقاص والهزء والسخرية التدميرية.
لعرض المشكلة أسلوب خاص، تتبين ما خلفها من خلال استعمال بعض المصطلحات والمعاني السياقية التي إما أن تكون مشخصة للمشكلة بروح النقد البناء، أو الأسلوب التهكمي الاستحقاري الذي يسقطها كمرض متأصل في المجتمع اليمني بشكل عام عبر التاريخ.
خلاصة المسألة:
الشخصية اليمنية، والتاريخ اليمني بشكل عام شخصية إيجابية مفعل تاريخ متميز، لم يتسم بأمراض العصر المختلفة كما هو حال كثير من الدول والشعوب، لكن هذه الحالة نخرتها الإمامة ببذرتها السيئة التي داء بها يحيى الرسي، فصارت تنخر المجتمع اليمني من الداخل كجرثومة استئصالية تعمل على تدمير اليمن كلما أراد اليمنيون النهوض بمجتمعهم غلبت عليهم هذه الآفة، وحولت اليمن إلى بؤرة للأمراض المختلفة أبرزها الجهل والفقر والمرض، وهي أمراض فتاكة تدمر الجسم من الداخل وتضرب مناعته في مقتل.
لو أراد اليمنيون حقيقة النهوض بمجتمعهم فما عليهم إلا التخلص من هذه الآفة والأمراض حتي يستطيعون النهوض، وإن من أهم العوامل المساعدة على التدمير تلك الشخصيات التي تظهر بمظهر الوسطية الحيادية تلقي في روع الناس القبول بالتعايش مع هذه الآفة بحجة السلم الأهلي والقبول بالآخر، وبالتالي تكريس المشكلة وتعقيدها أكثر فأكثر، ولا تقع على التشخيص السليم لمشكلة ومرض اليمنيين عبر التاريخ.