لو كان معه رجال!

بطل من الأبطال النوادر في هذا الزمن، يذود عن حياضه برجولته وشجاعته، لم يستسلم للإرهاب ولا للترهيب الحوثي أو التثبيط ممن خارت عزائمهم وأوهنت قواهم .. البطل محمد صادق الذيب؛ له من لقبه نصيب، وبطلان آخران في قرية الشيخ عبيد بمديرية ماوية، واجهوا حملة عسكرية وامنية لمليشيا الحوثي العنصرية الإرهابية مدة عشر ساعات بأسلحة بسيطة، لكنهم لقنوا عصابة الحوثي والمتحوثين معهم أبلغ دروس الكرامة والرجولة والشجاعة والتضحية.

قتلوا ثمانية عناصر مسلحة وأصابوا مثلهم وما ضعفوا وما استكانوا، لكن ذخيرتهم غدرت بهم، كما هو الحال في كثير من مواقف الرجولة والبطولة.

سيخلد التاريخ هذا الفعل المقاوم بأحرف من نور، وستروى قصة هذه البطولة للأجيال، كما رويت ودونت قصة القردعي واللقية والعلفي وعلي عبدالمغني وغيرهم، ممن واجهوا الإمامة مبكراً.

لكأني بأبي بصير هذا الزمن ينبعث من جديد، مسعر حرب لو كان له رجال. أبو بصير لمن لم يعرف قصته، رجل من قريش أسلم في زمن صلح الحديبية الذي اشترطت فيه قريش شروطاً مجحفى على الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وكان من ضمن تلك الشروط أنه من يسلم من قريش يرده الرسول إلى قومه، فكان أن أسلم أبو بصير، فجاءت قريش تطلب من الرسول –صلى الله عليه وسلم- أن يطبق ذلك الشرط في أبي بصير؛ فكان النبي الذي لا يخفر عهداً ولا ينقض صلحاً أن سلم أبا بصير، وهمس في أذنه أن الله سيجعل له مخرجا، فبينما كان أبو بصير عائداً مع طالبيه إلى مكة استل سيف أحدهم فقتله وهرب الآخر، وذهب إلى منطقة بين مكة والمدينة وكان يحارب لوحده من جاء من قريش حتى لحق به بعض أصحابه، فقال فيه الرسول –صلى الله عليه وسلم- قولته المشهورة: "ويل أمه..ياله من مسعر حرب لو كان معه رجال"!

هذا البطل "الذيب" مسعر حرب حقيقي لو كان معه رجال، وفي الحقيقة هناك الكثير من أمثاله مخذولين ومتروكين، يقومون بأعمال بطولية فردية مثل البطل الرداعي عبدالله الزيلعي وآخرين، لكثير منهم أفعال عظيمة ومؤثرة، لو أن هذه الجهود المبعثرة يتم تنظيمها في عمل مسلح ومقاوم، وتبنيها في حاضنة شعبية ورسمية داعمة.

لو كان معنا أمثال الذيب والزيلعي وغيرهم، كتيبة في كل محافظة لتم تحريرها من الكهنوت الحوثي.

الحقيقة هناك الآلاف من أمثالهم في بلادنا، لكن يفتقرون إلى زمام المبادرة، بينما الواقع المعاش يخذلهم كثيراً كون لهم ثقّالات تسحبهم دائماً إلى الأسفل؛ كرعاية أسرهم وذويهم وعدم الاهتمام بهم من خلفهم، وهذه من أهم المثبطات على الأرض، ونجد أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- نبه إليها كثيراً في مثل هذه الظروف، بقوله: "من خلف غازياً في أهله فقد غزا"؛ لأن الغازي يذهب متفرغاً للقتال ولا تشده إلى الخلف ظروف أهله وعياله بعد أن يتم تبني رعاية أهله.

حمل هذا الرجل، بحسب معاريفه، همة عالية، ونفسياً أبية تأبى الظلم والاستبداد والاستعباد، من لحظة اعتقاله لدى مليشيا الإرهاب الحوثي، ومحاولة هروبه من معتقلهم في سجون مدينة الصالح بتعز، وفكره المستنير الذي آمن أنه لا فعل مقاوم ومؤثر إلا من بين ظهراني المحتل الحوثي في منطقته، فكان له ما كان.

ما نحن متأكدون منه أنه بطل من أبطال الجمهورية، من أبطال اليمن المقاومين للتخلف الإمامي، خذله مجتمعه من خلال متحوثي البلاد، وما أكثر القصص من هذا النوع من الخذلان المجتمعي للأبطال الذين لا يكوّنون حاضنات شعبية للعمل المقاوم، ولا يدارون عن بطل من أبطالهم.

أثبت الذيب والزيلعي أن الحوثية نمر من ورق، وان بنيانهم أوهى من بيت العنكبوت، وأنهم يولون الأدبار، وينكصون على الأعقاب مع أول مواجهة حقيقية شرسة على الأرض لا تكون عن طريق الاستلام والتسليم.

نفخر كل الفخر بأمثال هؤلاء الأبطال، ونعتز بهم أيما اعتزاز، من كانوا وأينما كانوا، ونعتبر بطولاتهم بذور خير للمقاومة في كل مكان ستثمر أبطالاً مقاومين في كل مكان.

مقالات الكاتب