التغيير ما بين المجتمع والسلطة
في كل تغيير حكومي او رئاسي، يذهب الشارع لشخصنة هذا التغيير، وهي إشكالية تتصل بالعبث الذي تعرض له هذا الشارع، من انقسام وتجاذبات سياسية، من شحن وتحريض، من ماضي سيء ترك أثره على نفوس وعقول البعض، حتى صار لدينا شارع منقسم على ذاته، ساعاً لخرابة، بارتهانه للماضي بكل ماسية والشروخ التي احدثتها الصراعات، او التخندق الايدلوجي والمناطقي والطائفي والمذهبي خنادق الآفات التي تعرقل الحوارات والتوافقات السياسية.
وهنا المشكلة عندما يستسلم الناس للظروف التي خلفتها تلك الآفات ، ويبرهنوا عن عجزهم في تغييرها، ظروف الفوضى التي تخلقها الاختلافات السلبية، وتنسينا مشروع الامة، فوضى تجعل منا مجرد جماعات تهتف ضد الاخر، وتستهدف الأفكار بشخصنة القضايا، والنتيجة واقع ضحل، تاهت فيه العقول ذوي المقدرة الفكرية لإدراك المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية و تحليلها واستنتاج الحلول، لصالح النسخ السيئة من العقول التي استنسختها الصراعات، من اعلام موالي ومثقف مناصر ومنتمي، ومنظمات مجتمع مدني مصطنعة، ارتكز همهم على الترويج للصراعات، وتدمير أي فكر مخالف وتحطيم ادواته بل اجتثاثه، حتى لا تقوم له قائمة.
والنتيجة رداءة الواقع اليوم، الذي يحاول قتل الفكرة قبل أن تنمو وتثمر، هي ذات المشكلة التي استهدفت التغيير، ركزت اهتمامها بالشخصيات وبالغت من حجم الاحداث، رداءة من صناعة أعداء التغيير، الذي عمدوا على خلط الأوراق على الناس، وسوقوا لشيطنة التغيير، واستخدموا كل امكانياتهم وتحالفاتهم الداخلية والخارجية لضرب فكرة التغيير بذاتها، وصنعوا لهم قطيع من تلك العقول المستنسخة، التي لا علاقة لها بالواقع العام، يرتكز مهمتها بجر المسار للتعصب لتلك الآفات والتطرف للذات الانانية، ليصعب تقييم موضوعي للواقع.
الحقيقة ان التغيير ثقافة تبدأ من تغيير الذات، لتصل لتغيير المجتمع القادر المتفهم لوجباته، واهمها حقه في دعم او اختيار من يدير شؤونه، كيف ينظر للمنظومة السياسية والسلطة التنفيذية، حسن التعامل معها كوظيفة ومسئولية، يعرف متى يكون سندا لها، ومتى يطالبها، ومتى يحين وقت تقييمها او حتى تغييرها.
لا يستطيع أي مسؤول كان ان ينجح دون التفاف شعبي حوله ودعمه، ودون منظومة سياسية وسلطة تنفيذية مرتبطة بمبدأ اخلاقي بقضايا الناس وهمومهم، ولديها مجس يتحسس معيار الرضاء الشعبي والجماهيري، إذا ما وجدت تذمر شعبي وغضب من الأداء، عليها ان تعيد ترتيب وضعها وتصحيح استراتيجيتها، ودراسة قراراتها، او تنسحب بهدوء لتعلن فشلها، ليبقى الاحترام قائم بين المواطنين والسلطة السياسية، في الحفاظ على كرامة الانسان وحقه في الاختيار.
من الأخطاء والخطايا ان يستهدف المسؤول استهداف شخصي، و تبدأ ابواق التخوين والاتهام تفرز قذارتها في الاستهداف الشخصي، و البحث في قمامات الماضي ما يحقق لها هذا الاستهداف، هو استهدافا لعقول الناس الذي يخاطبهم، محاولا ان يصنع فوضى، وانسان عاجز في علاقاته بالمجتمع ومؤسساته من ناحية والعداء للسلطة من ناحية أخرى، ويفرض عليهم خيارات سلوكيات الرفض و عدم القبول، التي تحدث فجوة عميقة بين المواطن ومؤسسات المجتمع والسلطة السياسية والتنفيذية، مما يتيح للمتربصين استثمار تلك الفجوة ضد ان أي تغيير وتحول إيجابي لمستقبل افضل.
السؤال الذي يجب ان نتداوله في الشارع، لماذا نترك المسؤول بدون غطاء شعبي وغطاء سياسي من قوى التغيير أنصار مشروع الامة، وعرضة لابتزاز الاطماع الداخلية والخارجية؟ ثم نصرخ بأعلى صوت لا للارتهان والتبعية.
مع اننا ندرك جميعا ان تفرقنا شتاتنا ومشاريعنا الخاصة هي التي اضعفتنا واضعفت السلطات والمؤسسات، وتهنا وتاه الجميع في فراغ وهوه عميقة، مما أتيح للطامعين والفاسدين باستغلال كل ذلك، واليوم علينا ان نشكل كتلة متماسكة من مجتمع واعي وسلطة مسئولة، لخدمة الوطن والمواطن، ونتفاءل خيرا باي قرار جديد يحتاج لفترة تقييم طبيعية قد نجدون فيه خيرا.