توافق التوافق أم موجة ربيع يتجدد
من المعروف أن موجة الربيع العربي التي شملت عديد البلدان العربية اتخذت في كل بلد طابعاً خاصاً، وقد من الله على اليمن بالتفاتة عربية خليجية كان أثرها محموداً في تقريب وجهات نظر فرقاء الداخل اليمني، كما نشهد توافقاً داخلياً يتناغم مع مرئيات المبادرة الخليجية، لكنه وضع المتوافقين اليمانيين أمام تحديات صعبة في زمن انتقالي قصير لا يتجاوز العامين، وخلال الفترة الماضية تم إنجاز أسهل المرئيات وأكثرها وضوحاً.
وخاصة ما يتعلق بتشكيل حكومة الوفاق الوطني التي تشكلت عملياً من المؤتمر الشعبي وشركائه واللقاء المشترك وحلفائه، كما سارت عملية إعادة هيكلة القوات المسلحة والأجهزة الأمنية ضمن سياق يتوخى التدرج وحلحلة التراكيب السابقة التي اتسمت حصراً بثنائية غير مقبولة في أي بلد يتوخى استعادة الدولة الطبيعية التي تكون فيها وزارتي الدفاع والداخلية تحت سيادة الحكومة المركزية، وعلى هذا المستوى يمكن القول إن ما تحقق على أهميته مازال ناقصاً وبحاجة إلى الخطوة الحاسمة والأكثر أهمية.
بكلمات أخرى، أمام الرئيس عبد ربه منصور هادي مهمتين جوهريتين، تتعلق الأولى بتوحيد الحرس الجمهوري والفرقة الأولى مدرع بوصفهما التعبير الأقصى عن التركيبة غير السوية التي أومأنا إليها سلفاً، واستتباعاً لذلك لا مفر من إعادة النظر في دور وزارة الدفاع لتكون وزارة سيادية تعنى بالبناء النسقي الشامل للقوات المسلحة.
وخاصة لجهة تطوير استراتيجيات العمل العسكري العصري الذي يفضي إلى مزيد من تطوير وتأهيل الجيش الوطني، بوصفه مؤسسة عسكرية اقتصادية تنموية، بدلاً من إقامته في دربة الصرف المالي وتكديس الأسلحة، وهذا يقتضي سلسلة من الخطوات المهمة وأبرزها إخراج المعسكرات من المدن لتستتب الطمأنينة الاجتماعية ويصبح الجيش الوطني جيشاً مهنياً احترافياً يكون ولاءه للقرار السياسي الذي تمثله الشرعية لا الولاءات الشخصية المتأثرة بالقبائلية السلبية والمنافع الصغيرة.
وتأتي الخطوة التالية المتعلقة بربط الوحدات العسكرية والشرطية بالمحافظات، ذلك أن المحافظين ومأموري المديريات أدرى بمقتضيات الأمن الداخلي هناك.
وليس من المنطقي بحال من الأحوال ان يتم الحديث ليل نهار عن التفلت الأمني في مختلف مناطق الجمهورية في الوقت الذي تتعطل فيه المؤسسات العسكرية والشرطية والأمنية بسبب المركزية الشديدة التي حولت القيادات المركزية لهذه الأجهزة إلى حالة من العجز عن مباشرة دورها المرسوم بحسب الآليات القديمة المفخخة بالمثالب والعيوب.
تلك الخطوات ستشكل العتبة الحاسمة لتنفيذ ما تبقى من مرئيات المبادرة الخليجية والتمهيد للحوار الوطني الذين يشكل الهدف النهائي للمبادرة، فنجاح الحوار يفسح الباب واسعاً لبناء الدولة الجديدة الضامنة لإخراج البلاد والعباد من احتقانات الماضي والحاضر.
ومن المؤكد أن الحوار الوطني لن يسير كما يحلم المتفائلون، لكنه سينجح حتماً إذا تمت الإجراءات السابقة خلال الأسابيع والأيام المقبلة، وتكتسب هذه التدابير والإجراءات قيمة كبرى إذا ما ترادفت مع نظرة استثنائية لمشكلتي الجنوب وصعدة، وعلى أن تكون تلك النظرة مشمولة بإجراءات ملموسة تعيد الاعتبار للمظلومين وتشعر المواطنين هناك بأن الدولة جادة في ترميم جروح الماضي، وإعطاء كل ذي حق حقه، ومنح الذمة المالية والإدارية الشاملة للسلطات الشرعية المحلية، ما يؤدي إلى شعور المواطنين بالثقة في جدية الدولة لمناجزة التراكمات السلبية.
بمثل هذه المقدمات يضمن الحوار الوطني منصة متينة لانطلاقة مظفرة، ومن دونها يصبح عسيراً قابلاً للفشل، لا سمح الله.
وبعودة للعنوان الأصلي للمقال، واستناداً إلى الخطوط العامة للمقاربة أعلاه، أقول إن موجة الربيع العربي في نسختها اليمانية تنذر بموجة ارتدادية عاتية إذا استمر اللجاج الكلامي والتناقضات غير الحميدة، وإعادة سياسات الاستقطاب، وعدم الشروع في متوالية القرارات الرئاسية والإجراءات الجوهرية التي تقوم عملياً بتفكيك تلك البنية الكئيبة للدولة القروسطية التي ادعت انها دولة جمهورية عصرية دون شاهد واقعي على ذلك.
هذا أمر ينطبق على كامل الجمهوريات الأوتوقراطية العربية دون استثناء.
الاستحقاق المباشر أمام اليمن قد يفضي إلى مرحلة جديدة، وقد يفتح الباب لتوافق التوافق القائم على مبدأ الحلول البديلة التي تناور على مرئيات المبادرة دون التخلي عنها، وقد تؤدي إلى ارتداد زلزالي يعيدنا إلى مربع الربيع العربي في شكله اليماني.
في قوانين التاريخ الموضوعية لا مكان للتوقعات البرهانية، فللتاريخ دهاء ومكر يعصف بالأماني والتوقعات، وهذا ما رأيناه في الطور الأول للربيع العربي، وقد نجد تتمته الحزينة إذا أخفقت الأنظمة الجديدة في ترجمة آمال المواطنين المحاصرين بالفقر والحيرة والإحباط.
Omaraziz105_(at)_gmail.com