ثلاثة اتجاهات لتكسب الحوثي من العدوان على غزة
منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى وما تبعها من حرب صهيونية على غزة دأب الحوثيون على استغلال الحدث واستثماره بطريقة لا أخلاقية لتحقيق مكاسب داخلية لا علاقة لها بفلسطين، وجلها مرتبطة بالداخل اليمني وفي أقصى الأحوال بالجوار الإقليمي وتحديداً المملكة العربية السعودية، وفيما يحاول إظهار نفسه كنصير للحق الفلسطيني لكن ممارساته وانتهاكاته بحق اليمنيين تطابق تماماً سلوك الكيان الصهيوني.
وفي السطور التالية رصد لأهم الاتجاهات الحوثية لاستغلال القضية الفلسطينية وتوجيه مسار الأحداث لتحقيق مكاسب قذرة كلها تصب في إيقاع مزيد من الأذى لليمن أرضاً وشعباً، والتفنن في توسيع جرحنا الدامي الذي بدأ منذ الانقلاب على الدولة واسقاط مقوماتها يوم 21 سبتمبر 2014.
المكاسب السياسية:
الأحداث الأخيرة في فلسطين وما تبعها من عسكرة المياه الإقليمية واستجلاب العالم بقضه وقضيضه إليها شكلت للحوثي نافذة واسعة للهروب من الاستحقاقات السياسية والمتمثلة في خطة سلام شامل على مراحل كان من المتوقع البدء في تنفيذ خطواته الأولى مع بدايات العام الجديد، وهذا الفعل كتجسيد لسلوكيات هذه الحركة الطائفية منذ ظهورها، وهو سلوك مثقل بممارسات التهرب من أي استحقاقات، والالتفاف عليها حتى بعد توقيعها.
التطورات الأخيرة في ما يرتبط بملف العلاقات السعودية الإيرانية والدور الصيني المعلن والروسي غير المعلن لصناعة واقع جديد في المنطقة يرتكز على الهدوء والاتجاه نحو صناعة إقتصاد بديل بعيداً عن الهيمنة الأمريكية والأوروبية كل هذه المتغيرات بدا ظاهراً أنها ستساهم في جرّ الانقلابيين الحوثيين إلى عملية السلام بقرار إيراني في المرتبة الأولى، *وهذا ما لا يريده الحوثيون كونهم يدركون جيداً أن وجودهم وما يبنوه من امبراطوريات مالية تخص القيادات الطائفية كل ذاك مرتبط بحالة الفوضى والحرب القائمة، لكن وبحسب المعطيات والتحركات الحثيثة التي سبقت الأحداث فإنه كان يبدو وجود نية إيرانية للدفع بهم للانخراط في عملية السلام مقابل مكاسب تحصل عليها طهران تساعدها في التخفيف من حالة العزلة الدولية عليها.
ماتم أن الانقلابيين الحوثيين وجدوا في الأحداث الأخيرة فرصة للهروب نحو الأمام، وإفشال خطة السلام التي كان بإمكانها لو نجحت أن تنهي حالة الحرب، وتنقل الوضع اليمني بالتدريج لمسارات جديدة توصل في النهاية إلى العودة إلى ما قبل الانقلاب، ومثل العدوان الاسرائيلي على غزة فرصة سانحة لهم للعودة بالأوضاع في الداخل نحو التصعيد، ثم ذهبوا نحو إشاعة الفوضى في المياه الإقليمية والذي بدوره وفّر لقوى الهيمنة الدولية مبرراً للتواجد والسيطرة ونشر ترسانة من الأسلحة في المنطقة، وتنفيذ ضربات عسكرية على مواقع حوثية رمزية، وهذه التطورات كلها يستغلها الانقلابيون الحوثيون اليوم بأريحية كاملة للهروب من استحقاقات السلام تحت مبرر أنهم "تحت العدوان" الذي جلبوه هم في الأساس.
المكاسب الاقتصادية:
ما يمكن تأكيده قبل ذكر المكاسب الإقتصادية أن الانقلابيين الحوثيين هم مجرد عصابة، وحين الحديث عن الجانب الاقتصادي إنما نشير إلى المكاسب التي تجنيها الجماعة متمثلة بالقيادات والمشرفين الطائفين للجماعة وما يحصلوا عليه من أموال بطريقة غير قانونية، وكلها توجه في الغالب إلى تحقيق الإثراء غير المشروع أو لتمويل حرب الجماعة على اليمن واليمنيين، وطوال تاريخها فإن جماعة الحوثي درجت على استغلال كل الأحداث والمناسبات للقيام بعمليات نهب منظمة لأموال الشعب باستخدام القوة تارة بإسم المولد النبوي وأخرى بإسم المجهود الحربي وثالثة بإسم يوم الشهيد.
منذ الأحداث الأخيرة في غزة تحرك الانقلابيون الحوثيون لنهب أموال الشعب باسم دعم فلسطين، ثم أضافوا عنواناً جديدة هو "مواجهة العدوان الأمريكي" وتحت هذه المبررات ينفذون حملات واسعة لجمع الأموال والاستئثار بها في حسابات قيادات الجماعة والتي غالباً ما تخضع لعمليات غسل أموال قذرة تتشارك فيها شركات صرافة وبنوك مشبوهة تم الإعلان عن بعضها في تقارير لجنة الخبراء الأمميين بشأن اليمن.
كما شكلت الأحداث فرصة للجماعة لإسكات المطالبات بالرواتب، ولعلنا ندرك أن هذا الأمر كان يشكل قلقاً لديها كونه تسبب باحتقان شعبي ضدهم، وكانوا يسعون بجهد كبير للوصول لاتفاق تكون عملية دفع الرواتب ضمن مراحله الأولى، أضف إلى ذلك أن توقف العمليات العسكرية للتحالف العربي خلال الفترة الأخيرة ودخول الجميع في هدنة طويلة غير معلنة أسقط مبرر الانقلابيين الحوثيين الذي اعتادوا على مواجهة المطالبين بالرواتب به، فما كانوا يسمونه "العدوان" لم يعد موجوداً، وبدأت الاصوات ترتفع والمطالبات تتزايد، وكان يمكن أن يشكل هذا الأمر دافعاً لجرهم للدخول في عملية السلام تجنباً لحالة انفجار شعبي كانت متوقعة في مناطق سيطرتهم.
اليوم هم يتحدثون عن "عدوان" جديد سيكون مبرراً لهم لقمع كل من يحاول المطالبة بالرواتب، أو من يتحدث عن ضرورة توجيه الإيرادات المهولة التي يجنوها إلى الخدمات التي تمس المواطن، وسيعود مبرر "العدوان" سوطاً لجلد الشعب وإسكاته ونهب أمواله ومقدراته وتحويلها إلى حسابات وشركات القيادات الحوثية في الداخل والخارج.
المكاسب العسكرية:
منذ انقلابهم المشؤوم عمل الحوثيون على استدراج الشباب والأطفال وتجنيدهم والدفع بهم إلى محارق الموت في الداخل اليمني وفي الحدود مع المملكة العربية السعودية، ومن أول المبررات التي كانوا يستخدمونها "مواجهة أمريكا وإسرائيل" ورويداً بدأت تتكشف خيوط اللعبة القذرة حين وجد المجندون أنفسهم في تعز ومأرب والحديدة والضالع ولحج، وبدأ الأمر ينكشف لدى المخدوعين، لكن العدوان الصهيوني الأخير على غزة وما واكبه من تحرك إيجابي لمشاعر الشعوب، وعودة القضية الفلسطينية لتحتل الصدارة سواءً في الإعلام أو في اهتمامات الناس وأحاديثهم بشكل عام، هذا كله استغله الانقلابيون بطريقة مقيتة عبر تحريك عمليات التجنيد لصالحهم من جديد للشباب والأطفال تحت المبرر الذي سبق أن فقد بريقه "محاربة أمريكا وإسرائيل".
عمليات التجنيد الحوثية الأخيرة تم رصدها بأكثر من محافظة وتستهدف طلاب المدارس بالمرتبة الأولى، وتتم عبر إخضاعهم لدورات تهيئة كما يسمونها يتم فيها غرس مفاهيم طائفية وغرس الفكر الشيعي الإثنى عشري الدخيل على اليمن، وممارسة عمليات غسيل دماغ مركزة تحول الشباب إلى ألغام طائفية تشكل خطراً محدقاً ليس على الحاضر فقط وإنما يمتد أثرها إلى المستقبل البعيد.
ومع أن المؤكد أن هؤلاء المجندون سيكونون كسابقيهم حطباً لحروب هذه الجماعة المارقة على اليمن واليمنيين لكن الأسوأ في الأمر على المستوى القريب المنظور هو إطالة أمد الحرب وهو مكسب للانقلابيين الذي لا يمكن لهم العيش إلا في ظله، وبالمقابل ستزداد الفاتورة الثقيلة التي يدفعها اليمنيون وهم يدلفون إلى العام العاشر منذ أن تحول سلاح الشعب إلى صدره.
أخيراً فإن الحوثيون عصابة لا يحكمها قانون ولا عرف ولا دين، ولذا يستثمرون كل الأحداث لتحقيق أحلامهم المقيتة في التحكم والسيطرة على هذه الأرض الطيبة، وليس في قاموسهم بالمطلق دعم أي قضية عادلة كالقضية الفلسطينية، ولو امتلكوا ذرة عدالة أو ضمير لأوقفوا عدوانهم بحق شعبهم وأرضهم، ولو رغبوا حقاً في فك حصار غزة فإن البداية بفك حصار تعز التي يبكي أبناؤها دماً كل يوم.