سبتمبر وأكتوبر توأمان
يحتفل اليوم الشعب اليمني بثورة 26 سبتمبر , وسيحتفل الشهر المقبل بثورة أكتوبر , ثورتان ان اختلفت بالزمن , فلم تختلف بالفكر ومن يحملون هذا الفكر .
الثورة هي فكرة , قد تنطلق من جبل , وتنتقل لصحراء و وادي , وقد تقطع مسافات وتتجاوز بحار ومحيطات , فكرة الحق في مواجهة الباطل , فكرة التغيير , وصناعة التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية , فكرة الحكم الرشيد والمواطنة والديمقراطية .
مخطئ من يصنف الثورة بمزاج مناطقي طائفي , فالثورة أتت لتلغي كل الحدود الوهمية التي صنعها المستعمر , وكل حدود التخلف والجهل التي ما زلت سائدة من ارث ماضي ما قبل الدولة والأمة والاممية .
لم تكن سبتمبر شمالية , ولم تكن أكتوبر جنوبية , هما ثورتان خرجت من رحم التحرر والاستقلال , من المستعمر والكهنوت , وهي اليوم تتعرض لنفس المؤامرة , مؤامرة المستعمر وأعوانه من الكهنوت والاقطاع , من الفكر الطائفي والمزاج المناطقي , من حكم سلالة , وتسيد قبيلة , ونفوذ منطقة , وتنمر فكر ضحل , واستبداد وتعصب وغلو , وشطح وتهور , وفساد ينخر اركان الثورة .
ويبقى السؤال , لماذا لم يتحقق التحرر والاستقلال ؟ وفجأة نجد مشاريع كنا قد تحررنا منها تعود للواجهة , وعادت روح التبعية والارتهان للخارج !
هناك حنين للإمامة في الشمال , و حنين للإقطاع في الجنوب !!!
أسئلة مهمة تحتاج لدراسة علمية محايدة , ستضعنا امام مظاهر الفشل الحقيقي ,الذي لن يكون في النظام الجمهوري او الوحدة اليمنية , بل في المنظومة السياسية والقيادات والنخب التي قادة المرحلة الانتقالية , في الشروخ التي تركت لتتسرب منها التدخلات الخارجية التي اربكت مسار التحول , وسمحت لقوى الخارج التقليدية دعم قوى الداخل , دعم عزز الارتباط العقائدي , والتحالفات النفعية , ودعم القبيلة على حساب الدولة , دعم احاك شباكه على النظام الجمهوري , ليفرغه من محتواه , ليتحول لمجرد راية وشعار , نظام تحكمه لوثة الماضي , وتنخره من الداخل , وتقضي على رموزه وادواته , لوثة استحكمت بالسلطة , وتسلقت لتعود بمظاهر عدة , نلاحظها اليوم , على صورة دعم عسكري ومالي , وفرز طائفي مناطقي , يدفع لتعزيز ثقافة الامامة والسلاطين .
يبقى الأمل في صحوة وطنية , وأحزاب تعيد ترتيب أوراقها ,وتلملم شتاتها , وتحدد معركتها المصيرية , وهي معركة استعادة الجمهورية ضد كل المشاريع الصغيرة الطائفية مناطقية فئوية , لنعيد للثورة روحها والجمهورية وهجها , ليحكم الشعب نفسه بنفسه بديمقراطية حقيقية وتبادل سلمي للسلطة , تحفظ الإرادة والسيادة .
ولن يتم ذلك دون مراجعة , واعتراف العقل الذي ساهم بالفشل , في ثقافة مراجعة الذات وتحمل المسؤولية التاريخية , الاعتراف بالأخطاء , والوصول لمعالجات جادة , وتجاوز تصدير المسؤولية لظهر الاخر, مما توه الشعب عن معركته الحقيقية , في الدفاع عن إرادته في صياغة القرار والاختيار , لمعارك جانبية تافهة , تزيد من حجم الصراعات والشتات والشروخ , مما جعل الشعب مجرد جماعات تابعة , وأدوات صراع بيد النافذين والسياسيين والأصنام الديكتاتورية , والشعارات البراقة .
ومن هنا نوجه الأسئلة التالية
اين الأحزاب الثورية والتحررية والوطنية ؟
اين أدوات التنمية السياسية ؟ اين مجلس النواب ومجلس الشورى ؟ وأين النخب الثقافية والفكرية و الأكاديمية , اين احرار وحرائر اليمن , أين الشرفاء وأبناء واحفاد سبتمبر واكتوبر الأوائل ؟
باختصار شديد اليوم تتعرض تجاربنا الإنسانية القيمة في المنطقة للاندثار , اليوم تنتقم الرجعية العربية من المشروع الوطني وقواه الحية في اليمن جنوبه قبل شماله , اين انتم مما يحدث وحدث , اردوا القضاء على ثورتكم ونضال اسلافكم , وانتم غارقون في صراعات تافهة , تخدم أعداء الثورة والجمهورية والوحدة , والله على ما أقول شهيد .