العام الهجري الجديد ومدعو النسب الشريف
ترتبط السنة الهجرية بأهم حدث محوري في تاريخ الرسالة المحمدية ، وذلك لما يحمله هذا الحدث من رمزية مهمة ذات أثر واضح في مسار التاريخ الإسلامي ، وفي أقل تقدير تمثل مناسبة راس السنة الهجرية تذكيراً بأهم قرار اتخذه المصطفى صلى الله عليه وسلم كأن له الأثر في دخول الرسالة مرحلة جديدة فتحت الأفاق وكانت منطلقاً لعالمية هذه الرسالة ، والأهم في التفاصيل أن الهجرة كانت هروباً من أذى كفار قريش وتنكيلهم بالمسلمين الأوائل ونهب أموالهم والتضييق على حياتهم ، ثم حصارهم ومنع متطلبات الحياة من الوصول إليهم ، وهذه السلوكيات والممارسات أجبرت المصطفى صلى الله عليه وسلم على مغادرة أحب البقاع إلى قلبه ، وأجبرت أصحابه على ترك منازلهم ومصادر عيشهم وأموالهم ليسطو عليها كفار قريش ملصقين بالمهاجرين تهم من قبيل ،"الصبو ومهاجمة الألهة" ليبرروا لأنفسهم المريضة ما ارتكبوه بحق المسلمين من جرائم وما نهبوه من أموال.
اليوم ونحن نستقبل العام 1445هـ لازالت هناك صور تتكرر مما حدث قبل الهجرة النبوية وكان سبباً لها ، والأسوأ في الأمر أن الجرائم التي مارستها قريش بحق المسلمين الأوائل تُمارس اليوم بنفس الطريقة بحق اليمنيين من قبل جماعة تدعي زوراً وبهتاناً الانتساب إلى نبي الرحمة ورسول الإنسانية ، وهذا دليل واضح وجلي على كذب هذا الانتساب كون المنسوب إليه لم ينهب مالاً ولم يفجر منزلاً ولم يجبر مسلماً على ترك أرضه وموطنه ، كما لم يحاصر أو يمنع الطعام أو يغلق طريقاً لمسلم ، بل كان هو وثلته المؤمنة الأولى ضحايا هذه الجرائم ، وليس من العقل ولا المنطق أن يمارس كهنة اليوم نفس الجرائم والانتهاكات ثم يدّعون الانتساب إليه والعمل بمنهجه.
عملياً ونحن نلجُ عاماً هجرياً جديداً وبعيداً عن ما يدعيه هؤلاء الكهنة فإن إدراكنا الواعي لقضية النسب في لبها أنها لا تضيف خيراً ولا تمنع شراً ، والانتماء للأجداد شعور نفسي ذاتي لا يترتب عليه حكم ولا يرتبط بامتياز ، مع أن العقل والمنطق يخبرنا أن تعاقب الأجيال ومرور القرون يجعل من النسبة والانتساب شئ غير واقعي ، وإن تحقق للبعض ظاهراً فلا مجال بالمطلق للتصديق التام فيه ، واعتباره طريقاً سريعاً وسهلاً للحصول على الامتيازات ، وكلنا ندرك مافعله "النسّابون" خلال قرون عديدة إذ مارسو النُسبة كحرفة تدر عليهم المال ، وصاغوا لكل من يقصدهم النسب الذي يريد ، وبقدر ماله الذي يعطيهم يقربونه أو يبعدونه عما يعتقده البعض مصدراً للتفضيل وسبباً للتمييز ، ثم احتفظ طالبوا النسب بما يصدر عن هؤلاء المسترزقين وتحولت إلى وثائق يتناقلونها ليوهموا الناس بأفضالهم ، مع أن من اصول الإسلام أنه "لافضل إلا بالتقوى" والتقوى محلها القلب الذي لا يدرك كنهه إلا خالقه ، وبالتالي فلافضل لمسلم على أخر بل الجميع سواسيىة وإن إخلتفت أنسابهم وعرقياتهم أو ألوانهم وألسنتهم.
إن عاماً هجرياً جديداً يعني أن نتمثل كل قيم صاحب الهجرة لا أن نمارس ما فعله مخالفوه وأعدائه ، ومن أهم قيمه وتعليماته عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم أن دم المسلم وماله وعرضه حرام ، وأن من يبطأ به عمله لن يسرع به نسبه ، والناس سواسية كأسنان المشط ، فلا سيدٌ مطاع ولا مسودٌ مستضعف ، وأما ما فعله أعدائه بحقه وحق من أمن معه واتبعه فتلك الممارسات كلها رجسٌ من عمل الشيطان ، ومن يمارسها اليوم بحقنا فهو يكرر ذات الرجس مهما أدّعى وكيفما برر ، وأما انتفاشة الكهنة الذين يدعون الانتساب للمصطفى صلى الله عليه وسلم ويمارسون سلوك ومنهاج أعدائه فهي زائلة وإن خُيِّل للبعض خلاف ذلك فالواقع والمؤكد أن قيم الحياة والحرية والعدالة والمساواة تتغلب على جرائم القتل والنهب والحصار والتهجير.
دمتم سالمين..