3000 يوم حصار لتعز
تمتلك تعز عمقاً استراتيجياً وتاريخياً في المشهد والتاريخ اليمني بشكل عام ، ويرتبط هذا العمق بمشاركتها في صناعة التحولات على مدى قرون عديدة وحضورها اللافت في كافة التحولات التي مرت بها اليمن وقدرتها على التواجد المميز في كل فترة وحدث ، وبلغت أوج مجدها عندما كانت عاصمة للدولة الرسولية (1229–1454م)، وهي الدولة التي استطاعت بسط سيطرتها على اليمن بكامله ووصل حكمها إلى مكة المكرمة شمالاً وأجزاء من عمان شرقاً ، وفي تاريخها الحديث مع أن الإمام الكهنوتي أحمد حميد الدين اتخذها عاصمة ليأمن ثورة أبنائها ، إلا أنها كانت حاضرة بقوة في كل الثورات والانتفاضات ضد حكم الأئمة ، ولم تكن بعيدة عن ثورة 26سبتمبر 1962م التي ألقت بالإمامة والإمامين في مزبلة التاريخ ، ولاحقاً ظلت تعز وظل أبنائها يشكلون رديفاً هاماً للجمهورية في كل المنعطفات والتحولات التي تلت الثورة ثم حملوا راية العلم والتنوير وصولاً لعصرنا الحالي.
حين انقلب الحوثيون على الجمهورية وأسقطوا ونهبوا مقومات وإمكانات الدولة كانت تعز سبّاقة لرفض هذا الانقلاب ، ووقفت مع الشرعية قلباً وقالباً ، وحَمَل أبنائها سلاح العزة والكرامة لصد العدوان الحوثي الذي هاجم المدينة من جهاتها الأربع ، ونتيجة هذا الموقف الوطني تحمّلت تعز والتعزيين ضريبة ضخمة شملت القصف والقنص والاختطاف و3000 يوم حصار خانق لم تشهده أي مدينة في التاريخ الحديث ، ويشكِّل جريمة بحق الإنسانية بشكلٍ عام وترفضه كل القوانين والأعراف ويتصادم مع كافة الأديان والمذاهب والقيم والاخلاق.
تركت 3000 يوماً من الحصار على تعز آثاراً كارثية شملت كافة مناحي الحياة وفي مقدمتها التعليم بمستوياته ومسمياته المختلفة وخدمات الرعاية الصحية وإمدادات الغذاء والمياه والمشتقات النفطية ، وأضحت حياة المدنيين في تعز في غاية الصعوبة ، فالغذاء والدواء ومتطلبات الحياة الأخرى تصل إلى المدينة بتكلفة نقل عالية نتيجة وعورة وطول الطرق البديلة التي تسلكها المركبات مما يجعل الاسعار غالية ويجعل حياة المدنيين شاقة ، بالاضافة إلى ما تسببه هذه الطرق الجبلية من خسائر في الأرواح والممتلكات نتيجة وعورتها وطبيعتها الجبلية ، وكنموذج فقط اعلنت السلطة المحلية في تعز احصائية مهولة بلغت فيها الحوادث التي تم رصدها بشكل رسمي في الطرق البديلة مايقارب خمسمائة حادثاً مرورياً، نتج عنها 374 حالة وفاة و 966 حالة إصابة وبلغ متوسط خسائر الحوادث المسجلة رسمياً ما يقارب نصف مليار ريال ، بينما هناك ما يساوي هذه الارقام أو يفوقها لم يتم إحصائه وتسجيله بسبب تعدد وتوزع الطرق والممرات في الوديان والجبال المحيطة بتعز.
بعد 3000يوم حصار تحتاج تعز اليوم الى وقفة جادة من الإقليم والعالم لإيقاف هذه المأساة التي تدفعها المدينة نتيجة تمسكها بمشروع الدولة التي يعترف بها ويقرها العالم بأسره ، وهذا موقف تشكر عليه هذه المدينة لاتعاقب لأجله ، وليس من العدل أن تظل فاتورة هذا الحصار الظالم مفتوحة للأبد ، ولابد من تحرك عاجل لايقافه واعتبار تعز وما تعانيه قضية انسانية تحضى بالأولوية القصوى في كل تحرك سياسي يخص القضية اليمنية.
المؤكد أن تعز لازالت تقاوم الحصار وتكسره بتمسكها بأسباب الحياة رغم صعوبة هذه الأسباب وستظل كذلك ، ومن وسط معاناتها هذه لازالت تعطي دروساً لمحبي الحرية والكرامة والمقاومة ، وكل يوم تشرق الشمس فيه هو مساحة أمل وعمل وفرصة جديدة لكسر المشروع الانقلابي ودحض أمنياته في السيطرة على البلد أرضاً وإنساناً.
دمتم سالمين..