ماذا أفتقد اليمنيون في رمضان؟
ورمضان المبارك يدخل ثلثه الأخير رنّ جوالي برقم صديق قديم يقيم في محافظة لازالت تحت سيطرة مليشيات الحوثي، وفرّقت بيننا الأيام وصعوبات السفر والتنقل، لكنّا نستعيض عن ذلك بالحديث عبر الجوال بين فينة وأخرى، ويتشعّب الحديث حول قضايا كثيرة ومتداخلة، لكن في اتصاله اليوم وجدت نبرة حزن سالته عنها فأجاب إنه كلما يعود رمضان يفتقد أجواء خاصة اعتاد عليها لعقود، لكنه افتقدها منذ جاء برابرة العصر من الكهوف المتعفنة وقلبوا حياة اليمنيين رأساً على عقب ، وكان لنا حديث عن ما يفتقده اليمنيون منذ داهمنا هؤلاء.
افتقد اليمنيون في رمضان أجواء روحانية كانوا يعيشونها في المساجد إذ يجتمع الناس بعد أغلب الصلوات على قراءة القرآن والمكوث في المساجد للتسبيح والاستغفار وصلاة النوافل وعلى رأسها "صلاة التراويح" التي أعلن الإنقلابيون عليها حرباً ضروساً وأذوا كل من يحرص على أدائها ، فأغلقوا عنهم المساجد أو دنسوا قدسيتها بأن حولوها إلى مجالس لتناول القات والسمر ، وحبسوا كل إمام يرفض طلباتهم هذه ، وبدلاً من أن يؤدي الناس التراويح والقيام ألزموهم بسماع كلمة سيئهم ، وهذا عقاب يومي بحد ذاته.
العمل الخيري الذي اعتاد اليمنيون أن يكون رمضان في أوج نشاطه اختفى بفعل انتهاكات الحوثيين التي طالت الجمعيات الخيرية بالمصادرة والنهب، والعاملين فيها بالاختطاف والتعذيب ، ولم يسلم حتى التجار الذين يرغبون بتوزيع زكاتهم للفقراء والمحتاجين إذ تم إلزامهم بتسليمها الى المليشيات الحوثية بالضغط والإجبار ، ونكّلوا بمن يرفض هذه الأوامر ، ولم تسلم المبادرات الفردية التي اعتاد كثير من الشباب على اقامتها في الحارات والمساجد من تسلط الحوثة وانتهاكاتهم المتكررة، والتي كانت نتيجتها الطبيعية اختفاء الأنشطة الخيرية سواء عبر الجمعيات والمؤسسات أو الفردية عبر التجار والناشطين المجتمعيّن.
اعتاد اليمنيون أن يكون رمضان شهر التآلف وفيه يتفق المختلفون ، ويتسامح من نجح الشيطان في التحريش بينهم، ويخرج الناس منه بقلوب رقيقة وأرواح مؤتلفة ، لكن الحوثيين أمعنوا في محو هذه الأجواء، وحرصوا على أن يجعلوا رمضان موسم لنشر الفرقة وممارسة الطائفية عبر تحوير رسالة المسجد وخاصة أيام الجمعة إلى منصات لنشر طائفيتهم المقيتة ، والصدام مع قناعات اليمنيين وعقيدتهم ، والتحول من الخطاب الذي يجمع الناس حول قيم الخير إلى خطاب مستورد ينشر الفرقة بين أبناء البلد الواحد ، ويستدعي صراعات وقضايا مرت عليها قرون غابرة وتجاوزها الناس ، وكل ذلك ليتفرّق المجتمع ويضعف ويتصارع بينياً، فيتمكن الحوثيون بفكرهم العنصري من التحكم والسيطرة بأقل الجهود والإمكانات.
في المجمل تأكد ياصديقي أنه لن ينجح الحوثيون في سلخنا من هويتنا اليمنية الأصلية التي تزينت بقيم العروبة وزادها الاسلام رونقاً وبهاءً ، وكل جهودهم وإن خُيّل للبعض أنها مثمرة فستصطدم بصخرة الوعي الصمّاء ، والأيام والأحداث علمتنا أن الحرية أصل ثابت في النفوس وفرعها عالٍ في السماء ، وإن لم تثمر اليوم فعلت ذلك غداً ، وأن العبودية لم ولن يرضاها يمني وإن بدا صامتاً او مهادناً بعض زمن فهو يفعلُ ذلك حكمةً وليست استكانة.
دمتم سالمين..