مدخل لفهم التفاهمات الأخيرة
بسرعة تغيب عنها كل المصطلحات التي اعتاد الحوثيون على إطلاقها بحق السعودية يصل "جابر" إلى صنعاء ويستقبله المشاط وتتحرك الخُطى باتجاه التفاهم ، بالمقابل لا يمكن أيضاً إعتبار القضية قد حُلت والحرب انتهت ، إنما يمكن أن نفهم هذا التطور كإجراء حسن نية اشترطت السعودية على إيران تقديمه خلال إتفاق بكين والذي حدد مدة شهرين قبل دخول الاتفاقية حيز التنفيذ بشكل كامل ، وهذا الشرط وضعته الرياض كاختبار سريع لجدية طهران للسير في ركب التفاهم، والتقطت إيران اللحظة وفهمت الشرط بشكل صحيح فوجهت وكلائها الذين "أدوشونا" خلال ثمان سنوات بهرقطاتهم بحق الولاية المطلقة! والحج بلاجوازات! ، والعدوان! فاصبحت مصطلحاتهم برداً وسلاماً ، واختفت كمية الحقد والكراهية بحق الشقيقة السعودية.
سيقول قائل مافعله الحوثيون يمثل ممارسة للسياسة وأقول نعم ، ولا غبار في ذلك ، لكن السياسة أيضاً لا تقتضي أن تُدخِل البلاد والعباد في حرب قذرة أكلت الأخضر واليابس بينما كل ماهو مطروح اليوم على الطاولة كان متوفراً قبل تسع سنوات ، ومعروضاً على الحوثيين في كل مناسبة وبأكثر من لغة ، وعبر أكثر من وسيط ، وكان بالإمكان القبول والتفاهم من أول الأمر والسير في شراكة وطنية تضمن حق الجميع وتوفر الأمن والأمان للوطن وللجيران ، لكن الحوثيين اختاروا الحرب والاحتراب ، ودفعوا ودفعنا ضريبة باهضة ومضنية ستبقى آثارها لعقود أو ربما أكثر.
كرر الحوثيون كثيراً أن قرارهم يمنياً! ودغدغوا عوطف البسطاء بهذه الفرية فسلبوا أموالهم باسم "المجهود الحربي" وازهقوا أرواحهم وقوداً في محارق الموت ، وأمموا الشركات والمصانع بحجة التخابر مع العدوان! ، ثم حين أرادت أيران أن تنهي قطيعتها مع السعودية تحولوا حمائم سلام مع أنهم مدمنين للدماء والقتل والسلب حتى الثُمالة ، وكل هذا يؤكد ماقلناه سابقاً ولازلنا مصرين عليه أن قرارهم إيرانياً خالصاً ، وأثبتت الأيام والأحداث صوابية ما نذهب إليه.
وحتى لا نسرف في التفاؤل ولا نعتبر أن الحوثيين قد عادوا لرشدهم فإنه من المهم الانتباه إلى أن مايتم اليوم هو فقط إشارات تفاهم بين الرياض وطهران ، والقادم مرتبط بقضايا كثيرة متشابكة ربما أبرزها حتى الأن الضمانات التي طلبتها السعودية، ومن المتوقع أن الصين وعُمان هما في صدارة المشهد حتى الأن ، وبعتقادي فالسعودية لا تعول على الدور العُماني كثيراً لكن هناك تحت الطاولة حديث عن دور تقوم به موسكو بجانب الصين لاعتبارات سياسية واقتصادية كثيرة أقلها التحالف الصيني الروسي والعلاقات الروسية الايرانية التي برزت بقوة أثناء الحرب الروسية/الأوكرانية.
في الشان الدولي هناك إعادة تشكل لمحاور القوة والسيطرة، ومآلات الحرب الروسية الاوكرانية ستحدد ملامح الفترة القادمة ، ومن المتوقع خلال هذا العام أن تتغير كثير من المسلّمات التي كانت غير قابلة للنقاش ، وهذا كله سيترك أثراً على القضية اليمنية إيجاباً ، وقد ينعكس هذا الأثر ليس على اليمن وحدها بل على المنطقة ككل التي عانت من تعنت سياسة القطب الواحد ، ولنكون أكثر صراحة ووضوح فإن انتهاء الحرب في اليمن والعودة لطاولات الحوار _على الأقل في الوقت الراهن_ مرتبط باستمرار التفاهم السعودي/الإيراني ، وهذا التفاهم مرتبط بالتطورات الدولية ، وهذه المعادلة هي الحقيقة التي لايجب أن ننساها أو نتناساها.
في المجمل لا أحد يحب الحرب ، وجولات المفاوضات حين يحِّكم الناس عقولهم خيرٌ من طلقات الرصاص بالتأكيد ، والتنازلات بعد ثمان سنوات عجاف هي الحل من الجميع تحت قاعدة المشاركة والتعايش ونبذ الطموح المقيت بالاستفراد المطلق بالبلد ، وهذا ما كان ينقص الحوثيون أن يسلّموا به منذ بداية الانقلاب والحرب وحان الوقت ليفعلوا.