زلزال يقتلنا منذُ ثَمانٍ عِجاف!
اقتضت مشيئة الله إبتلاء أهلنا في شمال سوريا وجنوب تركيا بكارثة الزلزال الذي ترك القلوب موجوعة والأرواح مفجوعة، ونسأل الله أن يسهل عليهم ما ابتلاهم به، ويرحم موتاهم ويشفي جرحاهم ويجعل هذه المصيبة تطهيراً للذنوب ورفعاً للأجور ولا نملك لهم إلا الدعاء وكما يقولون "العين بصيرة واليد قصيرة".
أما نحن في اليمن فقد ابتلانا الله بزلازل من نوعٍ أخر أخطاره تتعدى الزلزال الطبيعي الذي تهتز فيه الارض للحظة ، داهمنا هذا الزلزال يوم 21سبتمبر 2014م ولازالت هزاته الارتدادية تتوالى حتى اليوم ، وستظل اثاره القاتلة تنخر حاضر ومستقبل البلد والأجيال ، وكل يوم تمر تزداد وتمتد الاخطار ، ويكثر الضحايا وتتلبد السماء بغيوم الحقد الطائفي أكثر وأكثر .
في الواقع ما داهمنا هو أخطر من أي زلزال أخر لأن هذه الجماعة المليشاوية تخطت كل معايير وأخلاقيات العمل السياسي التي يحب احترامها فقفزت على إرادة اليمنيين وانقلبت على الدولة واسقطت مؤسساتها ونهبت إمكانياتها ومعسكراتها ثم انتشرت في البلاد تقتل الأبرياء وتفجر المنازل والمدارس والمساجد وتقصف وتحاصر المدن ليتشرد الناس ويفقدون مصادر عيشهم وزادت على ذلك فاغلقت في وجوههم الطرقات العامة وتحولت الحياة اليومية إلى جحيم لا يطاق .
بسبب هذا الزلزال المليشاوي تعطلت أنظمة التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية ووصلت الحياة الاقتصادية إلى أسوء حالاتها ، ولم تدع فوضى هذه الجماعة مجالاً من مجالات الحياة ولا جانب من جوانبها الا تركت فيه بصمتها السيئة، ومن اخطر الآثار أن أصيب المجتمع بشرخٍ اجتماعي طويل المدى عبر إعادة انتاج العنصرية والطائفية التي أسسها الاماميون القدماء واعاد استزاعها الاماميون الجدد .
تعدت الأثار السلبية للزلزال حياة الانسان اليومية إلى تاريخه وارتباطه بجذوره فعمل الحوثي على محاولة فصل اليمنيين عن تاريخهم الذي لا يعد الحوثي بفكره المستورد جزء منه ، فاستهدف الآثار بالتدمير الممنهج وأغلق ونهب المتاحف وحوّل العديد من المواقع الأثرية إلى ملكية خاصة أو مواقع عسكرية لمليشياته، وأصبح من المعتاد أن تقوم القيادات الحوثية بالسطو على المواقع الأثرية والمتاحف والمكتبات التاريخية في أكثر من محافظة ، ثم لاحقاً ظهرت هذه القطع الأثرية المنهوبة لتباع في مزادات عالمية، رغم انها تخصّ اليمنيين كشعب وتنتمي إلى الحضارة الانسانية بشكلٍ عام .
ترك الزلزال الحوثي آثاراً على المستوى القريب المنظور كلنا رأيناها وعايشناها واكتوينا بنارها لكن الأخطر ما تركه هذا الزلزال على المستوى البعيد غير المنظور إذ لغم أفكار الأجيال بفكر عنصري مستورد لا يرتجى منه إلا مزيداً من الفوضى والعبث وتقسيم المجتمع الى طبقات لا يقبل بها عقل ولانقل ، وأدى تخريب التعليم في مختلف المستويات لاخراج أجيال عاجزة عن مواجهة متطلبات الحياة العصرية المتجددة ، وأسس سلوكهم لمشروع الفوضى في الحياة السياسية بديلاً عن قيم التفاهم والتعايش والحوار التي تمثل صمام الامان للحياة السياسية في الحاضر والمستقبل.
يمكننا القول أن الزلزال الذي داهمنا منذُ ثَمانٍ عِجاف جريمة مكتملة الأركان يجب أن يتحرك لأجل إنهائه الداخل والخارج ، ويتوقف تدليل هذه الجماعة المليشاوية ومنحها المزيد من الوقت لتستمر في تدمير بلدنا وحياتنا تحت مبرر السلام الذي أثبت الانقلابيون أنهم ليسوا شركاء فيه، وليس عندهم الإستعداد للسير في ركابه ، ولابد من وقفة جادة من قبل المجتمع الدولي لتجريم سلوك واشخاص الجماعة ، والاتجاه نحو تحميلها نتيجة جرائمها و محاسبتها عن كل الانتهاكات التي مارستها بحق اليمن والاقليم والانسانية بشكل عام ، وتتوقف تخريب حياتنا ومستقبلنا القريب والبعيد .
دمتم سالمين