الهدف من غزوات «عمران» وأخواتها..!!
مخطئ ألف مرّة من يعتقد أن الحرب الدائرة في عمران ومحيطها عمل وطني يستحق ذرّة احترام من أي شخصٍ سوي أو حتّى مهرّج أو مريضٍ يعاني الصّرع والعور الأخلاقي.
ومخطئ أكثر من يعتقد أنها تحمل مثقال ذرّة من الشرف والنُّبل، وأنّها لن تقود إلى عرقلة صريحة ووقحة للتسوية السياسية وزرع الأشواك في حلوق ودروب أبناء هذا الشعب الصابر الذي يريد تنفيذاً كاملاً لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني الذي أجمع عليه الناس كافّة ودخلوا تحت جناحه أفواجا.
اسمحوا لي أولاً أن أوجّه التحيّة إلى معظم وأهم قيادات ومكوّنات «الحراك الجنوبي السّلمي» الذين إلى اليوم باركوا خطوات رئيس الجمهورية، وأبدوا عقلانية كبيرة وتقديراً مُعلناً لمخرجات مؤتمر الحوار وقبولاً بحل «القضية الجنوبية» ومختلف القضايا اليمنية وفقاً له؛ عكس «الدّيوك» المتصارعة في عمران التي تقتل الحياة والطفولة والسلام وباسم السماء البريئة منها كبراءة الذئب من دمّ وقميص نبيّ الله يوسف عليه وعلى نبيّنا أفضل الصلوات والسلام.
ما أكثرها المرّات التي بالفعل نقول فيها صادقين: لقد عجزنا عن فهم الطريقة التي تُفكّر بها جماعة «أنصار الله» والميليشيات المتقاتلة معها في عمران، وعجزنا - أيضاًَ - عن فهم الأهداف الحقيقية من وراء هذا الاقتتال المجنون الذي يشتدّ ضراوة وصلفاً من يوم إلى آخر، هل المسألة قضم المزيد من المساحة الجغرافية لتعزيز شروط التقاسمات المستقبلية..؟!.
وهذ بالطبع ـ إن صحّ ـ فهو ضد مخرجات مؤتمر الحوار والمبادرة الخليجية وإرادة اليمنيين ومصالح المجتمعين الإقليمي والدولي، وإذا كانت المسألة تندرج في إطار الهذيان المعروف بـ “البطنين” و“حق الولاية” وتمهيد الطريق لها مدّاً وجزراً كي تتم استعادة أمجاد “يحيى بن حميد الدين” مروراً «وخلوا في بالكم أن العجلة هنا تمشي إلى الخلف» بالإمام «القاسم» وصولاً إلى الإمام «الهادي يحيى بن الحسين بن القاسم الرّسي 284هـ» مع بعض التعديلات والتحسينات “الكربلائية والخمينية للنسخة الجديدة”..!!.
طبعاً إذا كانت هذه هي الأهداف الحقيقة من غزوات وخنادق وتحصينات وقذائف عمران، فهذا شيء ثانٍ، على أية حال رغم قيام الدولة بتقديم كل التنازلات واعتبار قتلى الطرفين شهداء مثلهم مثل شهداء ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر و18مارس؛ بل ما هو أبعد من ذلك وأسمى كشهداء غزوات أحد وبدر وتبوك واليمامة وغيرها، ومعالجة الجرحى في المستشفى العسكري ونقل الحالات التي يستدعي نقلها إلى الخارج، وحصر الأضرار، وتعويض المتضرّرين وما إلى ذلك من التنازلات و«الحنبات» الجديدة لموازنة الدولة، كل هذا وغيره لم يفد بشيء.
ويبدو أن ما وراء الأكمة ما وراءها، التصعيد العسكري يزداد من يوم إلى آخر، ودائرة الصراع تزداد اتساعاً من يوم إلى آخر، والتجييش والتحريض يزداد هو الآخر.
أمّا المضحك المبكي معاً؛ فهو أن هذا كلّه يتزامن مع قرارات وقف إطلاق النار وتحرُّك اللجان تلو اللجان واتخاذ الخطوات العملية من قبل الدولة «يا سعم، لتثبيييييييييييييت وقققققققققف إطلاق النارررر وحل هذا النزاع اللعين اللي مش راضي ينحل».
ما يحدث في عمران - يا جماعة - أمر محيّر حقّاً، يتحدّى فهمنا، وتبدو المسألة بالفعل أن هناك استراتيجية وتوجهاً ممنهجاً يسعى أصحابه من ورائه إلى عرقلة مخرجات مؤتمر الحوار والوطني، والزّج بالجيش اليمني في حرب شاملة مع الحوثيين و«القاعدة» وأنصار الشيطان وإبليس والفساد وقوم عاد وأصحاب الأفيال والمردة في هذا الزمن الرديء بمثل هكذا مخاليق خُلقوا لتكدير حياتنا ونشر الفساد في الأرض وممارسة الاستحواذ والمصادرة ونشر الفوضى والتخريب وإشاعة الخوف والتناحر وإذكاء نار العصبيات الجاهلية والطائفية المريضة، والدّفع بها إلينا من خارج أسوار العصر «يعني عيفطة، بالصّميل، رضينا والّا كرهنا»..!!.
لكنّ السؤال المُلحّ في هذا الشأن هو: يا تُرى كم سيظل صدر الرئيس عبدربه منصور هادي مُتّسعاً لتجاوزات وهوايات ومغامرات هؤلاء، وكم سيظل أيضاً المجتمع الدولي ولجنة العقوبات يمارسان كل هذا الصمت المطبق حيال المعرقلين الذين يأتي في مقدمتهم بل أخطرهم الذين يشعلون ويقودون الحرب العبثية في عمران ويغرقون المدن في الظلام ويفجّرون أنابيب النفط ويخطفون الأجانب وغيرهم..؟!.
نعتقد أن الاستمرار في غض الطرف عن هؤلاء يزيد من تماديهم وعنترياتهم أكثر فأكثر، ويزيد من رغبتهم المضمرة في إضعاف الدولة ونفوذها وقوتها ورمزيتها ومؤسساتها، ويزيد - بالطبع - من معاناة أكثر من «25» مليون إنسان.
عذراً نوضّح، كلامنا هذا لا يعني أنّنا نريد من مؤسسة الجيش أن تدخل على الخط في هذه الحرب المجنونة؛ لكنّنا نريد كشفاً للحقائق، وتعرية لأصحاب مشاريع الحرب والفتن والدمار، ونريد دولة تفرض هيبتها بالطريقة التي تتناسب ونوعية الخطر والتهديد الذي يتهدّد كيانها.
ونريد مجتمعاً دولياً ينتقل من الشعارات والمفردات الدبلوماسية المطاطة إلى التنفيذ العملي لقراراته والتزاماته بإحلال السلام في اليمن وإنجاح المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ودعم الرئيس هادي في تثبيت الأمن والاستقرار، ومحاسبة الأطراف التي تعرقل التسوية وتخلق الصراعات وتدفع في اتجاه الاحترابات والفتن.
سيدي «جمال بن عمر» أرجوك ألا تنسَ معاناة اليمنيين وتوقهم الجامح إلى سماع ومشاهدة موقف واضح وصريح من قبل المجتمع الدولي ممثلاً بمجلس الأمن تجاه الأطراف/الطرف الذي ينكص بالاتفاقات ويعمل على نسف التسوية بشتّى السُّبل؛ التي من ضمنها إرهاق الدولة والاقتصاد الوطني وإغراق المدن في الظلام وحرمان الخزينة العامة الفارغة من «15» مليون دولار يومياً بسبب تفجير أنبوب النفط «صافر - ميناء رأس عيسى».
واليمنيون - سيّد جمال - يتوقون أيضاً إلى سماع موقف صريح ضدّ السيد عبدالملك الحوثي وجماعته؛ إذا كانوا هم بالفعل من يعرقل التسوية ويصرّ على معاقبة الشعب بإذكاء هذه الحرب الهمجية الجاهلية.
وكذلك هو الحال بالنسبة للإصلاح والمؤتمر وكل الرموز والقوى السياسية والقيادات القبلية؛ إذا كانت هي المتورطة في إذكاء شرر هذه الحرب المتطايرة الملعونة، وكل من يقف وراءها ويموّلها ويجيّش الناس والإعلام والمساجد والمراكز الدينية لصالحها ولصالح سموم الطائفية وثقافة الموت والكراهية والصنمية والديكتاتورية.