عدن وتداعيات إغلاق المدارس

تابعت كمعلم اجتماع ما يسمى بنقابة المعلمين الجنوبيين مع محافظ محافظة عدن , المحافظة الأكثر تضررا من إغلاق المدارس .

وبين مستحقاتي المهدورة , ورسالتي التربوية , (كاد المعلم ان يكون رسولا )وقيم واخلاقيات تلك الرسالة ,وبروح مهنية تخصصية , كان لابد أن يتفوق أحدهما على الآخر.

كنت كغيري من أبناء هذه المدينة المكلومة , التي فقدت ريادتها على مدى سنوات من التعصب الأيديولوجي , الذي ضاقت حلقاتها لتعصب طائفي او مناطقي , أحدث ضررا واضحا في ثقافة جيل , مشحون بمغالطات أحداث الماضي , ومحتقن بثاراته وتعصبه, يبني ثقافته على إثر الصورة الذهنية المشحون بها.

صورة تعزز الأنانية على المهنية , وتسيد الهم الخاص على الهم العام , وبينهما يضيع مستقبل وطن وأمة , إذا ما تعطلت بوصلة النضال والتضحية التي ترشد إلى ما هو اهم واسمى , حيث يسقط الحق الخاص أمام الحق العالم.

في مشهد اللقاء كان صوت عدن ضعيفا , يحاول أحدهم ان ينبه الحاضرون للحق العام لعدن ومجتمعها بالتعليم , وخطورة إغلاق المدارس في هذه المدينة المنبر الثقافي والسياسي والاقتصادي , لكن دون جدوى , صوت عدن مهموم بالتعافي العام , في مواجهة صوت مهموم بـ الفئوية والشخصية الفردية , لا يهتز ضميره للقضايا الوطنية وتعافي عدن , فقد الاستشعار بمستقبل عدن كنواة لمستقبل وطن .

رغم محاولة المحافظ إقناع النقابة بفتح المدارس , وهو أكبر سلطة تنفيذية في المدينة , ومسؤول عن تنفيذ النظام والقانون والدستور الساري اليوم , بدأ ضعيفا، لم يواجه النقابة بالحجة , ويستدعي النظام والقانون والدستور وأدبيات العمل النقابي والجماهيري , وجريمة إغلاق المدارس .

وهناك فرق قانوني بين الإضراب كوسيلة , وإغلاق المدارس كهدف , لدى نقابة لا تدرك الكارثة القانونية لقراراتها , ولن تدرك فهي تخلقت من رحم عدم الإدراك , وحضن حرب التحرير , والانتقال من نشوة النصر إلى نشوة الهزيمة الأخلاقية , التي استهدفت عدن , وذلك باستهداف كل ما يتعلق بتاريخ وارث عدن المدني والثقافي والسياسي والاقتصادي , وخصوصيتها الاجتماعية , وتنوعها الجميل , ليعاد استنساخ بدائل رثة , خاوية من التجربة والمهنية , وتجريف كل ما اكتسب خلال نصف قرن بحقد لا مثيل له , وعنف غير مسبوق , نقابة ادخلتها البندقية مقر الاتحاد, ومدعومة عسكريا وسياسيا .

المتابع الجيد والمحايد لما دار ويدور في عدن ما بعد تحريرها , وخاصة ممن كان لهم دور إيجابي ونضالي في فترة النهضة, وريادة عدن, يشعر بغبطة وقهر, على سنوات من العمل الجماهيري, بكل ما فيه من إيجابيات وسلبيات, وعلاقات دولية, ينهار ليعود لنقطة الصفر الحرجة, التي تدير عجلة التخريب بمسميات عدة, ومنها حقوق المعلم وحقوق القضاء وحقوق فئات, ويصمت عن جوهر المشكلة والحل , لقضايا الوطن مجتمعة, الأخذ بالعام دون الخاص.

النقابة وضعت نفسها بين خيارين , وحملت نفسها مسئولية جسيمة , ان لم يصل السياسيين لحل المشكلة السياسية العصيبة , والانقسام الحاد الذي لازال يفشل دور الحكومة في إقرار موازنة عامة تستطيع بها معالجة قضايا الموظفين وتضع للمعلم هيكل ومكانة خاصة , ماذا سيكون دور النقابة ,هل ستلغي عام دراسي او أعوام دراسية على الطلاب بعند , دون الانتظار لاتفاق سياسي, وما هي الاستراتيجية التي ستعيد الطلاب من الشارع الى مقاعد الدراسة, وتستعيد دوران عجلة التعليم ؟.

وان نجح إغلاق المدارس في رفع راتب المعلم , هل لدى النقابة استراتيجية تعويض ما خلفه قرار إغلاق المدارس على المجتمع وعدن والوطن , ام انها في كل الحالتين غير معنية , في ثقافة لا يعنينا العبثية.

لا محافظ سأل النقابة ما هو القانون الذي يعطيكم الحق بإغلاق المدارس بالقوة , ولا النقابة قدمت للمحافظ رؤية واضحة لقرارها , بحيث تضع كل الاحتمالات , وتضع لها الحلول بحيث لا ضرر ولا ضرار , القضية ليست قضية معلم رغم دوره المحوري , فالقضية قضية وطن وأمة , مرتهنة لحرب وفساد وتدخل خارجي وسيناريوهات عبث ومخرج وممون وبيادق تتحرك هنا وهناك , والوطن ضحية.

مقالات الكاتب