الحركة العمالية بين الماضي والحاضر
الأول من مايو
(الحركة العمالية بين الماضي والحاضر)
الأول من مايو , العيد العالمي للعمال , يحتفي به العالم , ويكرم به العامل , وتزهو الحركات العمالية , للتذكير بنضالات العمال واهمية الطبقة المنتجة .
كانت عدن اهم محفل عمالي في المنطقة , تخلقت فيها نواة الحركة العمالية , التي نمت وترعرعت في بيئتها الثقافية , كنواة للحركة الوطنية في اليمن والاقليم .
هذا اليوم يمثل لنا نحن , أبناء الطبقة العاملة في عدن , ثاني ميناء عالمي , ومركز اقتصادي وتجاري هام , جزءا من ارثنا وثقافتنا و كينونتنا , ذكراه تعود بذاكرتنا للنشأة , ونتذكر الوالد النقابي الذي كان يصر على اصطحابي معه لفعاليات الاتحاد العمالي , من اعتصامات واحتفالات ومحاضرات , وهي ثقافة اسرية عدنية ذكية , تعزز لدى الأبناء الانتماء , وتحصنهم من المشاريع الاستعمارية الرائجة حينها , نضال عاشته عدن ,و تبنته الاسر العدنية المناضلة , في التصدي لمحاولات تغيير هوية عدن العربية والوطنية , وكان للحركة العمالية الدور الكبير والمحوري لهذا النضال , الذي تخلقت فيه أحزاب سياسية , وقوى حية , ترفع شعار الحرية والاستقلال , وترفض أي مشاريع استعمارية بغيضة , منها مشروع الجنوب العربي .
هذه الروح الوطنية العالية , والثقافة العدنية الراقية , رفضت الاستسلام للمستعمر , وكان لابد له ان يفخخ هذه المدينة بالصراعات البينية, واستغل المحيط الجغرافي الأكثر تخلفا , والقوات العسكرية التي شكلها , لترسيخ التخلف والجهل والعصبيات , وكان لزاما عليهم تعطيل دور عدن الثقافي والسياسي , واغتيال ريادتها , و وقتل ميناؤها , وتدمير مقوماتها , وأغلقت عدن سياسيا واقتصاديا وثقافيا , بالفكر الأيديولوجي , الذي لا يقبل التنافس الاقتصادي والسياسي , والشراكة مع الاخر , بل خطط لصراعات التدمير الذاتي , التي جعل من المدينة حلبة صراع , يدمر كل مقوماتها , الى ان وصلنا ما وصلنا إليه , ولازالت المؤامرة مستمرة .
عدن المجلس العمالي , والارث النضالي , والمخاض السياسي , عدن الرائدة ثقافيا وفكريا , وشواهدها لازالت قائمة , وارثها راسخ في ثقافتنا وأفكارنا , و وعينا المتأصل من ذلك الإرث , كان مبنى الاتحاد العام قدسية نضالية , عندما كنا نزوره في الطفولة , وعملنا فيه في ريعان الشباب , تلقينا فيه قيم النضال ضد الطغاة والمستبدين , عرفنا أهمية الحرية والعدالة الاجتماعية , وحقوق الطبقة العامل والموظفين , ومعنى الدولة , والمؤسسات .
فاستهدافت عدن , هو استهداف لروح الدولة , وثقافة الحرية والعدالة , فأول استهداف كان لابد من السيطرة على النقابات , وجعلها مجرد دائرة في النشاط الأيديولوجي والسياسي العقيم , الذي قيدها من الحركة بحرية , ومن التطور والنماء , فكان الحزب , حزبا للطبقة العاملة , اكتفى بالاحتفالات وكرنفالات , شعارات وأهازيج , وجوهر القضية مفرغ من كل محتوى , وهيئاتها جزءا من تركيبة الدولة , يخدم الدولة والايدلوجيا , ولا يخدم العامل , واستمر الحال حتى سلمت البلد , واستسلم الجميع لنتائج الفشل , وتسلم النقابات نظام فاسد , استمر في إفساد الحركة العمالية , وافراغها من هيئتها وأدبيات , وحافظت على الشيء اليسر يقاوم هذا التأكل , وبعد سقوط الدولة , سقط ما تبقى من النقابات .
الحركة العمالية هي أكثر الخاسرين في هذه الحرب اللعينة , فقدت مسرحها النقابي , وصحيفتها صوت العمال , ومدرستها النقابية , ومبناها الخاوي على عروشه , بعد أن اقتحمه مسلحون , وطردوا هيئاته , وعبثوا بمحتوياته , وقطعوا ما تبقى من شعره تربطه بإرث وتاريخ نضال العمال , وتطفل عليه شوائب الحماس الطائش والغبي , في تركيبة من المتطفلين على الحركة , من تراكمات الماضي العفن , من اصحاب المصلحة كانوا دائما مع المنتصر , ولم ينتصروا لاي قضية عمالية , ولن ينتصروا , وفاقد الشيء لا يعطيه .
سيبقى الأول من مايو ذكرى عظيمة بعظمة تاريخ نضال الامة منذ خمسينات القرن المنصرم ,وستبقى عدن تفتخر بهذا التاريخ وهذا النضال , وما تمر به عدن , هي حالة ستزول كما زالت كل شوائب مراحل الانحطاط , وستعود الدولة والمؤسسات , ويعود للعمال نقابات حرة , وتعود الحركة العمالية رائده لنضال الامة , تدافع عن الحقوق والمستحقات , عن الحريات والاستقلال من كل غاصب ومعتدي جبان , وغدا لناظرة لقريب .