من غزوة مانهاتن إلى غزوة الكونغرس

لا أظن أن عملية اقتحام الكونغرس في قلب العاصمة الامريكية واشنطن أقل سوءا و أثرا، إن لم تزد على أحداث 11سبتمبر ؛ بصرف النظر عن الملابسات التي يرى البعض ربطها بالحادث الإرهابي ذاك؛ حيث يصر هذا البعض أن هناك تساؤلات و خفايا لم تكشف بعد،  خاصة مع ظهور جاهزية الاستثمار السياسي للحادث من أول وهلة، و اتخاذه وسيلة مفتوحة لمزاولة الهيمنة الواسعة على العالم، و بغير حدود، و هي هيمنة قامت على أساس فلسفة استعمارية ظاهرة : من ليس معنا فهوضدنا !

ومن حينها مورس الإرهاب بأبشع صوره؛ باسم مكافحة الإرهاب،كما يؤكد ذلك كثير من المراقبين، بل و يؤكده الواقع .

ومايزال الاستثمار السياسي لتلك العملية قائماحتى اليوم. بله إن كثيرا من الدول ؛ حتى الدول الصغيرة و الهشة، ركبت الموجة واتخذت من مصطلح الإرهاب وسيلة لتصفية الحسابات، و لو حتى على شعوبها فقط.

هذه السطور ليست بصدد الحديث عن مانهاتن إلا بمقدار الإشارة،  و استلفات النظر للمقارنة بين حدثين هزّا أمريكا محليا، و دوليا، و ربما بمستوى واحد من التأثير على أمريكا ؛ بل إن غزوة الكونغرس أكثر خطورة لأنها أدت الى انقسام كبير في المجتمع الأمريكي،  على عكس مانهاتن الذي وحد أمريكا !

لا أحد يستطيع أن ينكر  دور السياسة الأمريكية، والإدارات الأمريكية المتعاقبة، وعبثها بالعمليات  الديمقراطية في الوطن العربي، و دعمها ومساندتها المستميتة للديكتاتوريات، و الانظمة المستبدة، و دعمها المادي و المعنوي لعمليات التزوير الواسعة لأية انتخابات تجري في أي بلد عربي، فالإدارة الأمريكية  - دائما - هي أول من يهنئو يبارك عند إعلان نتائج انتخابات مزورة في الوطن العربي !

وبمقدار ما تتشدق به الإدارات الامريكية المتعاقبة عن دعمها للديمقراطية في العالم؛ بمقدار ما كانت هي الداعم الأول لإضعاف، بل لضرب العمل الديمقراطي في الوطن العربي.

كثير من الانتخابات المسرحية التي كانت تتم، هنا أو هناك من الوطن العربي، كانت برقيات الإدارة الأمريكية هي أولى برقيات التهاني ؛ لانتخابات جاءت بالتزوير،  و تزييف إرادة الشعوب.

لم يمارس دونالد ترامب - اليوم في أمريكا- أكثر من أنه صرّف بضاعة الإدارة الأمركية في أمريكا على قاعدة : بضاعتناردت إلينا !

إنها بعض من السيناريوهات التي كانت ترسمها السياسة الأمريكية لأية انتخابات تجري في أي دولة عربية، حيث كانت تدعم أنظمة التزوير، بكل الوسائل الملتوية، حتى لا تأتي نتائج انتخابية، باختيار  حر ، و وفق إرادات شعبية .

و السؤال البريء : لماذا تنكر الإدارة الأمريكية استهلاك ( ترامب ) للبضاعة الأمريكية، خاصة و هي تنسجم مع نظرته : أمريكا للأمريكان !؟

إن يك هناك من لوم على غزو مبنى الكونغرس و تعطيل جلسة المصادقة على فوز الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، فليكن اللوم على من رعى و حمى و ساند هذه الوسائل التزويرية، عبر السنين، و هي الإدارات الامريكية  و استخباراتها، فإذا بهذه الثقافة المصدّرة، يستخدمها ( دونالد ترامب)  محليا؛ تشجيعا لبضاعة بلده ! فيتم غزو الكونغرس بصورة صفعت، بل و سوّدت وجه الديمقراطية  الأمريكية، و هتكت سترها، بغض النظر عن أن مشيئة تغيير النتيجة الانتخابية لم تنجح هذه المرة، لكنها شوهت التجربة، و دقت مسمارا، لن يكون الأول في نعش الديمقراطية الأمريكية !

سينبري المسحورون بأمريكا يقللون و يهونون من شأن ما حدث، و أن القيم و المبادئ و المُثل الأمريكية  .. و.. و .. الخ. ثابتة و راسخة و متجذرة .. و و و .. الخ. و كأن ما حدث في  قاعات أعلا رمز ديمقراطي ( الكونغرس ) رؤيا منام ولم يحدث على الحقيقة !!

لا يهمنا أن يحاكم ترامب، أم لم يحاكم،  و إنما يهمنا أن السحر انقلب على الساحر، و أن استمراء الغرب عامة تشويه الديمقراطية في الوطن العربي، و من أمريكا خاصة؛ قد وجه ضربة بالغة التأثير لديمقراطيتهم، و بانتخابات رئاسية، و كانت الصفعة ؛ داخل أهم رمزية ديمقراطية،  هي الكونغرس !!

هذه السطور ليس غرضها تمجيد ما حدث من إهانة للديمقراطية في الكونغرس بحيث مثلت مأساة وطنية ، بحسب الرئيس الأمريكي الأسبق كارتر، فهي فعلا مأساة حقيقة ؛ ذلك أن أي عمل ديمقراطي يقوم على التزوير   في أي مكان من العالم، إنما يمثل خسارة كبيرة تضر و تنتقص من حرية الإرادات، لصالح الديكتاتورية، و إن أي عمل ديمقراطي نظيف إنما يصب في رصيد التجارب الديمقراطية و تعلي من شأن إرادات الشعوب وحقها في اختيار حكامها.

لا أحد يستطيع أن يغمض عينيه عن دور بعض دول الغرب يوم تكالبت للتنكيل بشعب الجزائر حين أعطيت له حرية أن يعبر عن إرادته في اختيار حكامه في الانتخابات التي جرت في تسعينيات القرن الماضي .

مقالات الكاتب