التصالح قوة

ربما يكابر المرء في أن يعيش وحيدا منعزلا، و أن يبرر لنفسه خيرية هذه العزلة و هذا الانطواء . غير أنه لنيكون له من مظاهر الحياة إلا أنه يأكل و يشرب ، و أشياء مما لها صلة بهذه الظاهرة و النوم !

   لكن من الصعب أن يقال أن هذا الشخص يعيش حياته !

 فكيف لو أن هذا النمط من العزلة و الانكفاء و الانطواء يعيشه شعب و وطن، فانعزل عن محيطه و عن العالم؟

 لا شك أنها حياة بؤس و شقاء، بل و ظلم و إجرام في حق هذا الشعب و الوطن.

نحن اليمنيون فرض علينا - ذات يوم - هذا النمط من العيش والحياة ، و حين نقول الحياة، فإنما نقول ذلك على سبيل المجاز، ليس إلا.

 في عهد غابت شمس نهاره، و توارت أقمار ليله و نجومه ؛ في عهد الإمامة المتوكلية، أسلاف الجماعة الحوثية وأجدادهم، عاش اليمنيون حياة العزلة تلك، يوم أن دمرت الإمامة بعقليتها المتحجرة و المتخلفة كل مظاهر الحياة الإنسانية على الشعب و الوطن ، و زادت فرضت عليه عزلة تامة، و أعلنت القطيعة مع العالم، فتحالف على الشعب اليمني الجهل و الظلم و المرض و الإمامة، و هي الحالة التي لخصها أبو الأحرار الشهيد محمد محمود الزبيري ببيت من الشعر، إذ يقول :

    جهل و أمراض و ظلم فادح     ومخافة و مجاعة و إمام 

لذلك لم يكن غريبا أن يتصور قطاع واسع من الشعب عندما سمعوا بإعلان الجمهورية، أن يتساءلوا عن هذا الشيئ الذي اسمه الجمهورية، و قيل أن البعض كان ينطقها: الجنفورية !! كانوا يتساءلون ما إذا كانت حيوانا أم طائرا أم شيئا من الأشياء التي لم يسبق لهم رؤيتها !؟ 

إن شعبا حَرّمت عليه  الإمامة - التي تريد الجماعة الحوثية استعادتها - التعليم و الثقافة، و أغلقت عليه كل منافذ العلم و المعرفة، و جعلت من اليمن سجنا كبيرا، ليس مستغربا منه أن تتواضع معارفه و تصوراته للأشياء إلى هذا الحد . فقد كانت كثير من المصطلحات والمسميات العادية غائبة عنه تماما، فعلى سبيل المثال ما كانت معروفة عنده، و لا متداولة لديه مثل كلمات : الدكتور، الطبيب، المهندس، المدرسة، الجامعة ، المستوصف، التلفزيون، الراديو، الصحيفة، المجلة، البنك .. و غير ذلك كثير مما يدل عن مدى الحرمان. و التجهيل و الظلم، و الإمامة.

إن هذه الجزئية السريعة التي تحدثت عنها السطور السابقة، هي و أكثر منها، ما تسعى إليه جماعة الحوثي، الذين هم أحفاد الإمامة المتوكلية،  إذ تريد أن تحل بيت بدر الدين محل بيت حميد الدين!

الحق أن العزلة عن العالم، هو عزلة عن الحياة، و بالتالي فإن العالم العربي أمام تحد كبير، و هذا التحدي يفرض عليه أن يعزز صلته ببعضه، و أن يرسخ تماسكه بكل أقطاره، ذلك أن أكثر ما يهدد حاضره  و مستقبله فتور العلاقات بين دوله، ناهيك عن الخلافات التي تحدث بين حين و آخر .

وكما أن التماسك و الوحدة و الاتحاد من الضرورات الاستراتيجية للأمة العربية، فإن إعادة النظر في تعميق و تعزيز العلاقة بين النخب الحاكمة و عامة الشعب العربي  مسألة في غاية الأهمية ؛ لأن من شأن ذلك أن تنطلق أمتنا بروح متجددة، و قوة وثابة ، و طاقات غير مهدرة، وحياة مستقرة و آمنة، قد تخلصت من أوهام التربص، كما سدت الطريق أمام الصناع الخارجيين للفتنة، الذين يعملون جادين لإيجاد الوقيعة و النزاع بين دول العالم العربي من جهة، و بين النخب الحاكمة و شعوبها من جهة أخرى.

أمنية و آمال مشروعة أن تتصالح الأنظمة العربية - أيضا- مع شعوبها فهي أساس الأمن و النماء ، و الحماية و الاستقرار.

مقالات الكاتب