خطأ الخلط بين الثوري السياسي

من الاخطاء الفادحة التي وقع فيها من يعتقدون انفسهم ثوار /ات/ في المجتمعات العربية منذ تلقفوا مفهوم الثورة المستورد من الفكر السياسي الحديث , طوال عقود من السنين , خطأ الخلط بين الفعل الثوري والعمل السياسي , بين الثورة والسياسة ,اذ اعتقدوا بان الثورة هي سياسة , !وهذا ما اذهلني أمس وانا اقراء البيان الصادر من التيار المعارض والمعترض على مؤتمر باعوم وانصاره , اذ سموا بيانهم :(بيان سياسي هام )! ولم يقتصر الأمر بالعنوان ,بل جاء المتن ينضح بلغة السياسة ومداراتها , القيمية والسيكولوجية , وبالمثل جاء بيان المؤتمر المنعقد في المنصورة ,بيانا سياسيا شكلا ومضمونا , وكأنما نحن في مضمار فضاء ومجال ممارسة النشاط السياسي الاعتيادي الطبيعي البديهي , وهنا غاب الواقع الفعلي الذي نحن فيه وهو واقع ثوري وحركة مقاومة سلمية شعبية جنوبية ضد احتلال عسكري همجي ,هذا الخطأ في اعتقادي هو سبب تلك التجاذبات والتقاطعات غير المفهومة بين الكتل والكيانات الجنوبية التي تدعي انها تنتمي الى الحراك الجنوبي وتعمل من اجل انتصار القضية الجنوبية!

 

ثمة فرقا شاسعا بين الثورة والسياسة يا جماعة ,اذ ان حضور الوحدة يعني غياب الثانية , الثورة فعل اجتماعي جمعي جماهيري عفوي ضد وضع سياسي لا يطاق , للثورة قيم اخلاقية جوهرية , منها الايمان بعدالة القضية والايثار والغيرية وغياب الأنانية والصدق والثقة والاخلاص والأخوة والحميمية والحماسة المشتركة والبراءة وحسن الظن والايمان والتصديق وفيض العواطف والانفعالات الجياشة بين رفاق النضال الذين يتفادون الارواح ويتنافسون على البذل والعطئ والتضحية والفدى بصمة ,وبدون تبجح او مزايدة او ضجيج او منه او فخر اوادعاء, الثوري الحقيقي مثل المؤمن الصادق , يعبد الله تعالى بصبر وصمت ودأب وتواضع وخصوع وصدق طلبا لوجه تعالى , والثوري الحقيقي , يعمل بصدق واخلاص وصمت و صبر بلا زيف او تبجح او ادعاء , من اجل القضية التي يؤمن بعدالتها فقط وليس له مأرب أخرى , هذه بعض القيم الثورية بغض النظر عن نوع وشكل الثورة , تحررية , او سياسية , مقاومة مدنية سلمية او عنفية ! لافرق اهم شيء ان للثورة نسق من القيم الاخلاقية والخلقية تسندها وتزودها بالطاقة الدائمة.

 

اما السياسة وممارستها , فهي على العكس تماما من الثورة وقيمها , انها فن الممكن , قانونها الغاية تبرر الوسيلة ؟ مبدئ كل عمل او فعل سياسي واقعي خبره الانسان منذ هابيل وقابيل الى ان يرث الله الارض وماعليها , في السياسة لا اخلاق محددة تضبط افعال النخب المتنافسة على الاستأثار بعناصر ومقدرات القوة , اي السلطة والسطوة والهيبة والنفوذ , السياسة نشاط نخبوي عقلاني تحكمه قواعد لعبة لا اخلاقية ,مؤمرات دسائس مكائد خيانات واكاذيب وجشع وكل ما يمكن تخيله من وسائل وادوات الصراع الحامي الوطيس بين القوى والاطراف المتنافسة , لا تواضع ولارحمة ولا صدق ولا امانة ولا عهود ولا شرف في ممارسة السياسة يا ثوار الجنوباتحدوا ويا ثوار الشمال تضامنوا هذا هو شعار الثورة سلام.

 

مقالات الكاتب