شعب مفطور خيبة

النضال محكوم  بوعي راسخ بالقيم والمبادئ والاخلاقيات , اذا فقد النضال لذلك الوعي يتحول لعبث , يزيد من حجم معاناة الناس واضرارهم .

ثرنا ضد النظام الفاسد , وفي خضم الثورة قلنا فيه ما لم يقله مالك بالخمر , فتكشفت كل علله وبلاويه وكفى  , وحان الوقت لنترك الذم والنواح , والبدء بعملية التغيير والبناء , لنكن في مستوى تطلعاتنا , ونقدم واقع مثالي  , بمصداقية وشفافية مع انفسنا ومع بعض , ويبقى السؤال هل حققنا تغير ايجابي لواقع افضل ؟

الاجابة الصادمة لم نستطيع ان نغير , لأننا لم نتغير بعد, وظل الكثير منا ذلك الثائر الذي يصرخ وجعا والما , يلعن ويذم ماضيه , مستلذ بدور الضحية , غير مستعد لترك الماضي , ليبني حاضره وينتقل بكفاءة واقتدار لمستقبل افضل .

التغيير الوحيد المنجز ,هو التحالف مع أعداء التغيير , الذين صاروا بقدرة قادر, قاده ثوريين من طراز جديد , من مواقعهم يصنعون مواقف واختيارات تنسف امتياز الثورة , بتحطيم جدار الصمت والخوف وأصنام الماضي , لتجعل من التغير وهم مستحيل , وتغرقنا في الماضي وتداعياته , كعاجزين عن تقديم حلول وافكار جديدة , مستمتعين بالضرب والطعن والتجريح في جثت اصنامهم وعفن تاريخهم , ليكتسي المجرم دور الضحية , ويبقى مثالهم السيئ متفوق على عجزنا في تقديم مثال افضل .

كل المتطلعين بالتغيير , مصابون اليوم بالخذلان وهم يتجرعون احداث الخيبة والياس في تغيير حقيقي يلبي تطلعاتهم , خيبة القوى المتكلسة والعقول المتصلبة , التي تديرها قوى الماضي من قمة الهرم  او عبر حلفائها الاقليميين .

سأل احدهم عن المشهد اليوم , فقال لا اشاهد غير ضوضاء , وضبابية , وفوضى عارمة , وعبث مدمر , وسيناريو لأطفال في السياسة امتهنوا المدياسة , اشاهد صراع الثيران , وما يخلفه من عج وغبار ,لتمييع الحقائق وانتشار الاشاعات , اشاهد مخرج غبي ومنتج اغبى , وتوظيف لما هو سي واسوء ,  وبرمجنده اعلامية , تحاول ان تغير من الصورة الحقيقية , وتلمع القبح , وتبرر  للانتهاكات والجرائم ,  وتكيل التهم والشتائم , وتقلب المعايير لتجعل المدينة قرية والبندقية ميزان.

عبث فوضوي لم يجد ضابط بضبطه , اربك المشهد وارتبك , ضعف وهشاشة المواقف , ترتكب الجرائم في وضح النهار , وتنتهك الاعراض وتنهب الحقوق , هرب الكثير وغادر , وبقى القليل مطارد منهوب مستباح وقليل الحيلة .

مدينة تكثر فيها منابر الوعظ  والحديث عن النقاء , وهي غارقة في وحل من القذارة , يصدح فيها صوت يحارب الارهاب ويكافح الفساد , وزادها ارهابا وفسادا , فيها يرتدي اللص ثوب النزاهة والشرف  ويتباهى بالعفة .

ايها الوعظ مللنا وعظك , دون ان نرى عدلك , الا تشم روائح الجثث المتعفنة التي لم تنصفها بعد , الا تسمع بكاء الايتام والثكالى , وهم يطالبونك بالعدل والانصاف , الا تسمع اصوت النساء والاطفال الذين يتوسلون للأفراج عن ذويهم الابرياء من السجون, لم يصلك بعد انين اوجاع الجرحى ,وهم يتوسلون علاجهم ,وأسر الشهداء وهم في حالة من الاهمال , لم يثير انتباهك بسط الاراضي والنهب وتشويه المعالم والارث والتاريخ , بعد السيطرة والتمكين , ومداهمات المساكن وقتل الابرياء , باي ذنبا , قيل القليل واواقع يشهد وانت تدعي الوعظ ,واين عدلك والانصاف ؟ .

سقطت من رهاننا يوم ان وظفوك بالدفع المسبق , حين شبعت والناس ازدادت جوعا , وعندما توقف الدعم وتذوقت الجوع , اشتط غضبا وحملة بندقيتك , واخترت قوت الناس غنيمه , من يعبد المال لا يعرف وطن ولا قيم , ونختلف هنا في تطلعاتنا للدولة الضامنة للمواطنة والنظام والقانون  وتعايش وعيش كريم .

ولازالت الاسئلة قائمة , اين القتلة والجرمين المقبوض عليهم؟ اين ملفات التحقيقات والاستدلالات ؟, ولماذا لم يبث القضاء بتلك الجرائم ؟ , اسئلة تنتظر اجابة , لا تموت العرب الا متوافيه . 

الشارع اليوم يكاد ان ينفطر خيابة و وجع ,وهو يبحث عن المواطنة والعدل والحرية والتعايش والعيش الكريم , و تبرز حاجته اليوم لكتلة وطنية , تنفض من على كاهله تلك الخيبة و البؤس , وتعيد للمجتمع حيويته , ويتعافى وطن وينهض ليلحق بأمم المعمورة ,متجاوزا كل المعوقات الداخلية والخارجية.

مقالات الكاتب