2020م عام بروح التجدد
حقيقة أنهم العالم المتحضر , ونحن العالم المتخلف , في بناء الإنسان , والاعتماد عليه كثروة حقيقية في النهضة والاقتصاد والسياسة وبناء الأوطان .
حقيقة مؤلمة اننا نقلدهم في الشكليات بسطحية , دون ان نقتدي بجوهر نهضتهم بعقلية منفتحة تستوعب مجريات العصر ومواكبة تغيراته .
انتقلنا معا من عام 2019م لنستقبل معا 2020م , وكلا يحتفل بطريقته , هم يحتفلون بإنجازاتهم ونهضتهم , ونحن نحتفل بخيبتنا وبؤسنا وشقائنا , نحتفل في فشلنا باللحاق بهم ونهضتهم , في عجزنا في حفظ كرامة أمتنا وعزتها وشرفاء , وعلى ماذا نحتفل ؟ و أوطاننا صارت مرتعا لحروبهم ودسائسهم وعبثهم .
هل يمتلك قائد من قادتنا المصورين شكلا ,جرأة الحديث عن انجازات , وهو مثقل بالنياشين والبطولات الكاذبة ضد أبناء جلدته , عن أي إنجازات سيتحدث , عن قهر وكمد شركائه في الأرض , عن انتهاكاته ,كم قتل وكم نهب وكم استباح , وهل سيفتخر بارتهانه لطرف من أطراف التبعية , الصورة القبيحة للاستعمار اليوم .
هم لا يبخلون في الدراسات والمراجعات الدائمة للسياسات والاستراتيجيات , لا يبخلون في تقييم وتقويم مسارهم الثقافي والاجتماعي والسياسي وحتى العقائدي , ونحن لا نملك الجرأة في ان نقوم بمراجعات حقيقية لمواقفنا واختياراتنا , ونتائجها على مجتمعاتنا و أوطاننا , عقولهم نظيفة بنظافة بطونهم , ونحن نفسد عقولنا بفساد بطوننا .
تخيل حجم الأحلام الصغيرة التي راودت بعضنا , وأفسدت عقولنا , مما افسد حياتنا والوطن والعيش المشترك والمستقبل , احلام جعلت اصحابها ينظرون للوطن من ثقب صغير جدا يخصهم ولا يخص الاخرين الذي يعيشون معهم في كنف هذا الوطن , وبسبب هكذا عقلية يضرب الحلم الكبير بمقتل الأحلام الصغيرة التي تزاحمه على الواقع , كل احلامنا تضرب بمقتل .
ولهذا نحن في امس الحاجة لمراجعة أحلامنا وتطلعاتنا , جميعنا مثقفين وعامة , بمجموعنا نشكل قوة دافعة لنهضة وطن , اذا تقاربت أحلامنا من بعض , لتشكل حلم كبير يجمعنا في وطن يستوعبنا كما استوعب الدول المتحضرة دون منغصات .
المراجعة هي وعي يدفع بالفرد ليسمو بروحه لمستوى ضروريات النهضة والتقدم , ليتجاوز نزعاته الفطرية في التسلط والهيمنة , واحيانا الشعور بالأفضلية والاحقية , واحتقار الآخرين ,والازدراء من أفكارهم وتطلعاتهم , وعي يمكنه من تجاوز التربية الابوية والارث والقيود الطبقية والسلالية , وعي يفوق مستوى التعليم والمعرفة التي اكتسبها دون أن تغير فيه كإنسان , في تطلعاته واختياراته , في قدرته على التغلب على الظروف الذاتية , بحيث يصنع ظروف موضوعية للنهضة لا تصنعه ظروف تعيق نهضته , وتجعله غارق في التعطش للسيطرة والهيمنة والانتقام من ماضيه بأنانية وحب الذات والمنطقة والسلالة .
المؤسف اليوم أن تجد اصطفاف مناطقي طائفي , وتجد كل المبررات التي تبيح لهذا الاصطفاف , بل تتجاوز حدود القيم المتعارف عليها على المستوى العلمي والعرف , تحدث تغير في المبادئ , وتسمح بتربع الجهل والعصبية لشئون الامة , مما يرسخ انحطاط قيمي وأخلاقي بحجم العقليات التي تتسلط , لتتفجر مشكلات وتتعمق في جذور الهوية والتاريخ والحضارة .
الكل مع النهضة , ويرى أنه يحمل فكر النهضة والتنوير , وهو منغلق على ذاته , ويرى النهضة بمنظور ضيق , بضيق نفس تقبل الآخر , والانفتاح على الجميع , والاحتكام للعقل والمنطق , لكبح جماح العنف , بادراك ان مفهوم النهضة هو استيعاب لكل الأفكار , وأتاحت فضاء واسع من الحرية والعقل لينطلق مفجرا افكار جديدة خيرها يحد من شرها , تلك الحياة الضامنة لكرامة الجميع دون استثناء , ونظام وقانون فاعل يضمن حق الجميع ويضبط إيقاع الحياة والعلاقات .
ووعي يتشكل في إطار رغبة جامحة للتحرر من القيود التي فرضتها علينا مراحل من التخلف والقهر والاستبداد الديني والسياسي , الطائفي والمناطقي , لا فرق بين متعصب عرقي سلالي وبين متعصب عقائدي او أيدلوجي , فكل منهما يغذيان روح الاستبداد والهيمنة والأنانية فينا .
ووعي اجتماعي ضامن لتصحيح مسارنا نحو النهضة , وعي رافض للسلبية مهما كان مصدرها متجرد من الانانية و وضيق النفس , يتصدى بقوة للظواهر السلبية والأمراض الاجتماعية , للمناطقية او الطائفية او أي شكل من أشكال الاستبداد , مجتمع حي ينتقد ويصرخ في وجه كل باغي وأسى ينفث كراهية وأحقاد وعنصرية بغيضة , في وجه من يعتقد انه الوطن وأن الآخرين مجرد خونة وعملاء , عام جديد بروح جديدة وثقافة وفكر متجدد وحاضر قابل للتغير ومستقبل زاهر .