البلد في أمس الحاجة اليوم للشركة من العداة
الخطر المعيق للتوافقات , ونجاح الاتفاقات , أن البعض امتهن ثقافة العداء , وصار الوضع المريح له والمربح أن يبقى في صراع مع أعداء يفترضهم , لم يصل بعد لمستوى وعي يستوعب الاختلاف , ويرتقي ثقافيا وفكريا في خلافه الايجابي مع الاخرين , خلاف مثري للواقع لا مدمر له.
لا قضية لكل فاجر في العداء , مهما البسها ثوب قشيب من الوطنية والحرية والاستقلال , فلا تجد لتلك المعاني في ثقافته وعلاقاته وروابطه مع الشركاء على واقع المعاش , فجوره أضره أكثر مما نفعه ويدمره أكثر مما ينميه.
الفاجر في العداء اعجز من ان يكون ايجابي و ويبث إيجابية في المجتمع الذي يعيش فيه , اعجز من ان يواكب متغيرات العصر , تسكنه فوبيا المؤامرة والعدو الذي يتربص به , فجور الذهنية المشحونة بكم هائل من العداء والأعداء , فيبث سلبية قاتلة , أفكاره منشوراته رواياته , كلها شيطنة وعداوة , مفرداته كلها مسيئة للأخر المختلف عنه , يرمي فشله وعجزه على الصورة المركبة في تلك الذهنية , منها يستمد مبررات فجوره , فيقع في كره الاخر المختلف معه سياسيا فكريا ثقافيا , أو حتى عرقيا و مناطقيا وطائفيا , فإذا به يمارس العنصرية بكل قباحتها.
العالم اليوم يتغير , ومع كل متغيرات العصر والتكنلوجيا , والعالم أصبح قرية كونية , يتداول الاخبار والاحداث في وقتها , يتطور وعي الناس , وينظرون للخطاب الغبي والمستعبط بعقولهم بسخرية , سخرية الشماعة التي تعلق فيها كل الاخفاقات والجرائم والإرهاب, والناس تتطلع لدولة النظام والقانون , يسخرون من الاحكام المسبقة والفتاوى الكيدية والسياسية , دون تقصي للحقائق , يسخرون من التشويش البائس لصور يشاهدها الناس واقعا , يسخرون من الكم الهائل من الشائعات والأكاذيب , مع علم أن حبل الكذب قصير جداً , والفضائح تكشف عورات الكاذبين.
لا اعتقد إن مثل هؤلاء يخاطبهم ضمير إنساني حي , إراهنهم أن مجرد ما أن يخاطبهم ضمير انساني , سيعرفون ان عدوهم هو اقرب الناس اليهم , يعرفونه من مجرد التفكير ببغض الشخصية , بالنفور من حولهم , اذا تفحصوا ذاتهم بوعي في مرآة عاكسة فسيجدون عدوهم الحقيقي يحدق فيهم من تلك المرآة.
هذا البعض يتوقف لديهم الزمن في مرحلة معينة , ويغرقون في وحل تلك المرحلة , ويعجزون عن مواكبة المتغيرات من حولهم , تتطور الأمم حولهم , وتنتقل من مرحلة لمرحلة , تتغير التحالفات والمواقف والاختيارات , تتغير الأولويات والظروف الموضوعية والذاتية , وهو غارقون في تلك المرحلة التي تكونت لديهم صورة عقيمة عن البعض , ويسكنهم كرها وانتقام جعلهم أعصيا على التغيير , والعصي على التغيير عدو نفسه ومصالحه وقضيته ومشروعه السياسي.
مثل هؤلاء لقمة صائغة ,وضحية سهلة لمصيدة الطامعين والمغرضين بالبلد , هم أفضل سلعة للاستثمار السياسي والعسكري والإرهابي , إفضل معول هدم واداة تدمير وتخريب وطن وامة.
هذا البعض مجرد نزوة تجتاح البلد , مصيرها الفشل , ولنا في الماضي تجارب وعبر , والعالم يتغير وحركة الكون تسير للأمام تدوس على كل من يقف ضد تيارها المتقدم , وترميه لمزبلة التاريخ ليكن عبرة لمن لا يعتبر , ومن لا يتعظ , ها هي الشعوب العربية تنتفض ضد كل المرجعيات الدينية والسياسية التي حاولت أن تحاصرها فكريا وثقافيا وايدلوجيا ,من العراق للبنان للجزائر للسودان لتونس الوعي الديمقراطي التي احتكمت للصندوق , وستنتصر سوريا واليمن وليبيا عاجلا ام اجلا , شعوب تتطلع للانطلاق واللحاق بالعالم المعاصر والمتغير , عالم السباق العلمي والتكنولوجي والابتكارات دون صراعات واستجرار أمراض الماضي وصراعاته وثقافة العداء للأخر المختلف.
العالم اليوم يقدم للأخر كل الضمانات التي تهيئه ليكن فاعلا إيجابيا في المجتمع , تقدم له مساحة كافية من الحرية والانضباط الأخلاقي والقانوني العادل ليكن شريك فاعل ومحوري في الحياة , دون اجتثاث وإقصاء وتهميش وعداء , لتجنب خلق بيئة حاضنة للإرهاب وراعية له فكرا وثقافة وسلوك , وتحاربه قولا و زورا وبهتان.