الشهيد جعفر ربان عدن الماهر
الحقيقة ان عدن عاشت صراع مرير ضد الاستلاب , استلاب ثقافي وتاريخي وحضاري , استلابا مدنيتها , باعتبارها المدينة الكونية ( الكوزموبوليتانية ) مفتوحة على كل الثقافات والاعراق , متاحة للمنافسة العادلة , استلابا لخصوصيتها الفريدة الجامعة للتنوع , استلابا لحقها في الجاذبية الاقتصادية والسياحية ,استلابا لموقعا الاستراتيجي والدور الفاعل لميناها الرباني , على مدى نصف قرن واكثر وعدن في صراع مع الغزو , غزو الظواهر السيئة الغير مستحبة والغريبة على عدن , غزو العنف والجهل والتخلف والامراض الاجتماعية , غزو الصراع السياسي والايدلوجي للسيطرة والتمكين , والاحتكار والتسلط .
ليس من العدل لوم الضحية فيما جرى ويجري له , وما حدث ويحدث في عدن , من سقوط للبعض وتدمير واضح لخصوصية عدن , ايعازات وسياسات لمنظومة السلطات التي تسيطر على عدن وتمكنت منها , بل هي بصماتها التدميرية منذ نصف قرن ولازالت عدن في صراع مع تلك البصمات لاستهدافها .
عدن في حالة الاستقرار تبعث ايجابية لمن حولها , منبر يشع نور وعلم لتضيء كل ظلام جاثم على المنطقة , وما يحدث لعدن اليوم اغتصابا لدورها الايجابي .
عدن لا تستسلم فتصارع كل ذلك لتتحرر , نعم عدن تصارع حالة الاستلاب للهوية منذ زمن , وفي الحرب الاخيرة , كان الشهيد جعفر محمد سعد ضالتها في استعادة ذاتها , بل استعادة هويتها , كان الشهيد يسير قدما لتعود عدن دون الرجوع بها وبنا وبالوقت لماسي الامس , كان مقداما للغد المشرق بنمو انساني وحضاري يشبهها , كان الشهيد جعفر محمد سعد امتدادا لهوية عدن باعتباره منها واليها , ولهذا استساغته واستساغها , كان فعلا وشعورا انها بأيادي امينة ,وكان ابنائها لا يشعرون بالغربة بوجود الشهيد جعفر , يشعرون بالأمل يتجدد فيهم , والحياة تدب في عروقهم , وعدن تستعيد القها وروحها , وتعود عدن ثقافيا واجتماعيا وحضاريا .
اغتيل ربانها الماهر جعفر محمد سعد , لتعود متاعب عدن ,استلاب لهويتها , وشعور ابنائها بالغربة وهم في مدينتهم , استلاب لشخصيتها التاريخية وحرمانها من ارثها وتراثها , تجريدها من فسيفساءها الثقافية والاجتماعية , وتمزيق نسيجها الرائع ,كل ذلك امتدادا لمؤامرة الاغتيال , و مرارة مذاق الشعور بالغربة , واكثر مرارة اليوم خذلان عدن وهي تتصدى للصوص والناهبين ونفوذ استلاب الهوية وتلعنهم .
رحم الله الشهيد جعفر , وكل شهداء التحرير , وستظل عدن تبكيهم وتنعيهم , مع استمرار النضال على دربهم لتعود عدن وتنصفهم من القتلة والمغتصبين , ستنتصر عدن عاجلا ام اجلا وستلعن القتلة والمجرمين , حتى وهم في ملاجئهم محتمون .
مهما استهدفت عدن , ستتألم وتعاني , لكنها لا تموت , ومهما استهدف اخيارها وكوادرها , فعدن ولادة بالأخيار والكوادر , اغتيل ابنها البار وربانها الماهر الشهيد المحافظ جعفر محمد سعد , وسيبعث من رحمها ابناء مخلصون لها وربابنة ماهرون , وستنتصر عدن وستلعن المجرمين والقتلة والمتآمرين والطامعين والفاسدين , ولا نامت اعين الجبناء .