عدن صلابة الماضي وهشاشة الحاضر

عدن مدينتي الفاضلة المسترخية بثقة على شاطئ خليجها، في موقع استراتيجي هام ونقطة وصل كميناء عالمي، هكذا عرفها العرب والعجم في قدم الزمن، وتسابقت القوى العظمى حينها للظفر بها، طمع في استثمارها واستغلالها فكانت مصدر خير للعالم، ثاني ميناء عالمي، ومصدر رزق وحياة كريمة للجميع، جعلها حاضرة من حواضر النهضة والتطور مدينة كونية للتنوع والتعايش.

ويا للأسف تتعرض عدن الفاضلة اليوم لحالة من التفسخ الأخلاقي غير المسبوق، كجرس إنذار يجب أن تتوقف أمامه كل الجهات المعنية والمهتمين بعدن، المجتمع بعدن يصاب بأمراض وأوبئة تُفقد عدن مدنيتها وتعايشها وثقافتها، ويمتهن ويسحق القيم، ليسلخ عدن من ارثها التاريخي ورقيها الحضاري.

رداءة مقصود منها التطاول على هوية وتاريخ وارث عدن الحضاري، واستهدفت عدن، في رموزها ومعالمها وثقافتها، استهداف ممنهج للاستيلاء والاستحواذ، وتهميش وإقصاء طرف عريق بعدن، للظفر بها.

رداءة التطاول على الدولة وشخصيتها الاعتبارية، حتى صارت عدن دون مرجعية، مرجعيتها مليشيا وتعصب أعمى مناطقي وعقائدي، وخطاب عنيف يفرز الناس وفق أهواء مريضة، دفع بضعاف النفوس لتتستر خلف هذا الخطاب خوفا من التصنيف والاتهام، قليلين هم من تصدوا ولا زالوا يتصدون لهذا التيار، وهم اليوم عرضه لسيل من التهم والتنكيل والتحريض والإفتاء بإقصائهم واجتثاثهم أو وضع حد لحياتهم، بوضوح تام لعملية تجريف المجتمع، الاستحواذ على المنابر واعتقالات واغتيالات وتصفية تستهدف فئة مهمة في عدن وعقول نيرة.

السؤال اليوم: من يدير عدن؟ وهناك من يعلن ويتفاخر انه مسيطر على مفاصلها، ويدعي انه لا علاقة له بأوجاعها والانفلات الواضح فيها كان أمنياً أو مؤسسياً أو ثقافياً أو أخلاقياً، مراهنين على عطب الذاكرة الجمعية، والناس تدرك من يمنع أن تكون لعدن سلطة محلية مؤسسية بعيدة من الصراعات السياسية المدمرة، تدير خدمات ومؤسسات عدن وتحافظ على ما تبقى من روح للدولة والنظام والقانون، لتضبط إيقاع الحياة وتحافظ على الروابط والعلاقات والثقافة وحدود الأخلاقيات، وتضبط الخارجين على القانون وتفعل القضاء والنيابة لتوقف التفسخ العام الذي يهدد عدن اليوم.

 كثر المزايدون والضحية عدن أرضا وإنسان، لا تركوا للدولة تأخذ نفسها وتعمل بصورة طبيعية دون عراقيل، نطالبها ومن ثم نحاسبها، ولا استطاعوا أن يكونوا البديل الأفضل ويتحملون المسئولية بجدارة ويقدمون عدن مثالاً طيباً وواقع يعبر عن مشروعهم وشعاراتهم وخطابهم.

يبدوا أن المؤامرة لا تستهدف عدن فقط، بل مشروع الثورة الجنوبية التي كانت عدن منطلقها وكانت ملهمه للثورة اليمنية، ثورة أردوها مناطقية وعقائدية، وطعموها بعناصرهم، وها هم يقدمونها بصورة بشعة، مفرغة من نبلها ومنطقها، جعلوها مشروعاً صغيراً يخصهم، و يحمي مصالحهم وتعصبهم ومغالاتهم ومنطقتهم وعقيدتهم وفسادهم، حتى انفرط الناس من حولهم.

لا رهان لمن سلم إراداته لأطماع تريد لعدن السبات والموت السريري لتضمن استبعادها من التنافس الاقتصادي والتجاري، إنه بيع واضح لعدن.

والنتيجة واقع عدن اليوم والتفسخ العام، اغتصاب ومحاكمات وعبث بالإدارة وغضب شعبي يتطور ليحمي عدن وينتشلها من هذا الواقع وأدواته المتفسخة.

*نقلاً عن (يمن مونيتور)

مقالات الكاتب