"قاسم عمر" وواقع عدن المهمل

الحياة مسئولية , والمسئولية وعي , بالوعي ندرك أننا مسئولين عن اعتلال واقعنا , كلا في موقعة والمسئولية كتكليف لا تشريف .

 من خير الثورة أن الجنوب اليوم يدار من قبل أبنائه , والحديث عن نظرية المؤامرة وشماعة الفشل صار مثير للسخرية . 

 الكارثة الحقيقية اليوم هو غياب الوعي القادر على الاعتراف بالحقيقة ومواجهتها , الوعي الدافع للتضحية بالمصالح الخاصة الأنانية الضيقة لصالح المصلحة العامة و الوطنية , الوعي الذي يدفع لتغيير الذات نحو تغيير العام لنكن امة كسائر الأمم محترمة لا مثيرة للشفقة . 

 الواقع الصحي في عدن , هو انعكاس للواقع العام الذي يديره أبنائه , هم المسئولين عن اعتلاله , اللهث وراء الكسب المادي الذي جعل ملائكة الرحمة لمستثمرين بلا رحمة , والعيادات الخاصة والمستشفيات الاستثمارية , والوضع المزري للمستشفيات العامة , والصحة والوقاية والعلاج والأدوية . 

واقع لمسته بتجربة مريرة لقامة فنية , وشخصية عدنية وغنية بعطائها وإبداعها أثرت حياتنا بخيرها وجمالها , رسمت الابتسامة في شفاه كل مهموم , وعادت الروح لكل موجوع يوما , ونورت ظلام العقول والنفوس , لم تعرف الكلل والملل ولم تبخل يوما على الوطن بعرقها وجهدها وتألقها في الداخل والخارج , هو الفنان المخرج والممثل الرائع قاسم عمر قاسم ( الملازم نصر في التركة ,والشيخ ضاري و والخال ...) , أصابته وعكة صحية , وهو في قمة تألقه , يؤدي دور مريض في مشهد تمثيلي بمستشفى استثماري , لم يقدم له سوى حقنة مهدئه تمكنه من الوصول لمسكنه , لتسوء حالته , وفي اليوم الثاني يسعف لمستشفى الجمهورية , وتبدأ مرحلة المعانات مع واقع مرير من الإهمال لفرص النجاة من الموت .

 مستشفى الجمهورية العريق لا يستطيع إنقاذ مريض مصاب بجلطة دماغية أو قلبية , تصدمك عبارة ( المستشفى لا يملك الإمكانيات ) , مثله مثل المجمعات الصحية ,تديره كوادره جنوبية , دعم سخي للتحالف والكويت , يبعثر لا يجد التنظيم المفيد , تنافس في الربح الشخصي على حساب الوضع العام , ما توفر لنا هي ورقة تحويل لمستشفى البريهي , فلم نجد سرير ونحن نتنقل بين عدد من المستشفيات حتى وجدناها في مستشفى الوالي , إلى غرفة الإنعاش , والحاسبة تحسب , وهو كذلك الحالة فوق إمكانيات المستشفى , و ورقة تحويل للمستشفى الذي كان الفنان يصور فيه مشهده التمثيلي .

مستشفى استثماري راقي , يستقبل الحالات بالتحقيق من إمكانياتهم المادية , لا يفتح أبوابه لغير الميسورين , المريض في سيارة الإسعاف أمام بوابة المستشفى والطبيب يرفض استقباله , يستلم ورقة التحويل ونصف ساعة من الاتصالات كافية ليموت المريض ( جلطة قوية ) الدقيقة فيها تفرق , حتى فقدنا أعصابنا , لندخل المريض عنوة , وتبدأ عملية التحري من الإمكانية المادية , وطلب دفع مبلغ ستة ألف دولار في حساب المريض في المستشفى قبل أي فحص , وبدأنا نشعر بالعجز , وصراع النجاة مع الموت , وتدبير المبلغ , ليجد أخي الفنان نفسه وحيدا في مواجهة مصيره المحتوم , وتحركت أسرته , ومن لا يبخل يوما في إنقاذ مريض لن يتركه الله وحيدا والله دائما مع الخيرين , واستطاعت أسرته تدبير المبلغ بطريقتها ويكفي , ومن اللحظة الأولى لتوريد المبلغ تحرك الطاقم الطبي وتمت عملية قسطرة تشخصيه وعلاجية معا ودعامتين , وطبيب رائع وجميل التعامل ,وديون (8000$) على كاهل الأسرة والمريض لبقية العمر , نحمد الله على كل حال , هكذا يكرم المبدعين في بلدي , لا يذكرون وهم أحياء ونهتم في تأبينهم .

 ما أسوء ضعف الحال عندما لا يكون تاريخك ومسيرة حياتك سندك في مواجهة العجز والمرض والبلاء , ما يخفف من هذا السوء حب الناس وقلقهم ولا حولا ولا قوة لهم , وغياب المسئولين والسلطة .

 هذا هو واقعنا اليوم صراع بين الخير والشر , بين الحياة والموت ,المسئولين عنه منا وفينا , بل أكثرنا صراخا وعويل في المسيرات والاحتجاجات والمطالبات , وأعمالهم تعكس واقعنا المزري , مبرراتهم الإمكانيات , لا نفع دعم التحالف ولا دور القوى السياسية لا انتقالي ولا شرعية , واقع تغييب الدولة وشخصيتها الاعتبارية , صراع فرض إرادات تتخلله نزعات ويتصدره الموت ليدمر فرص الحياة وأدوات النجاة ,وسننجو رغم كل المعوقات .

*نقلاً عن (يمن مونيتور)

مقالات الكاتب