رغبة الحاج عبدالله وفعلة رئيس!
قيل أن رئيساً عربياً زار بلداً أوروبياً تلقى تعليمه فيه ؛ فأول شيء فعله هو أنه سأل عن اسم معلمه، فقيل له قد مات، فطلب من مضيفيه بزيارة قبره، وحين وصل فخامته إلى مكان دفن جثمان معلمه أخذ يصرخ ويتبول عليه قائلاً : ها أنذا أتبول على قبرك مثلما طلبت أن افعل.
الم تخاطبني أيها الإفرنجي اللعين حين كنت تلميذاً قائلاً : (إنك لا تنفع لشيء أيها التلميذ البليد ؛ فإذا قدر لك ونجحت في حياتك ؛ فلك أن تلقي فضلاتك على قبري، لقد صرت رئيساً للجمهورية رغم انفك أيها المعلم المتغطرس بعبقريته وذكائه".
أحد أصدقائي كان قد أخبرني كيف أن والده همَّ بفعل مثل هذا ؛ لولا أنه وأشقائه حالوا دون قيامه بذلك، فإذا كان التلميذ الفاشل قد صار رئيساً لبلد عربي؛ فحكاية أبا حكيم أنه كان تاجراً شاطراً في عدن قبل الاستقلال وبعده بمدة قصيرة، وبرغم كونه داعماً ومساهماً وناشطاً في حركة القوميين العرب ومن ثم ثورة 14أكتوبر 63م وحتى نيل الاستقلال يوم 30نوفمبر ؛ إلا أن كل أفعاله الوطنية لم تشفع له أمام لصوص الثورة ـ وفق تعبيره، إذ لم تذر له هذه الثورة غير رأسه ومهجعه الضائق بعائلته، لقد خسر الرجل كل ماله وعقاراته واستثماراته.
خرج من وطنه خال الوفاض، لم يجد بداً من استئناف حياته من أول وجديد، وفيما هو في زيارة وطنه التقى مسئولاً رفيعاً في الحزب والدولة مطلع الثمانينات، خاصة بعيد تناقل لمسمعه بتوجهات جديدة من النظام تجاه ما تم تأميمه من ممتلكات الرأسمال الوطني وكذا فيما يتعلق بالانفتاح على دول الخليج والإقليم.
في لقائه بالقيادي الاشتراكي بدا الرجل ساخطاً ومنفعلاً وهو يتحدث عن مآل كارثي وشيك ينتظر تجربة رفاق الثورة خصوم رأسمالية آدم سميث، وكعادته حين يرى سلوكاً أو فعلاً أو كلاماً لا يعجبه أو يتوافق مع أفكاره ومبادئه ؛ أطلق العنان للسانه السليطي لأن يقدح ويذم محدثه دون اكتراث من عاقبة.
عندما لم يجد حلاً لمظلمته أو أذناً صاغية لنصائحه وكلامه ؛ غادر مكتب المسئول الرفيع غاضباً وساخطاً، فجل ما وقر في أذنيه هو قول ذينك القيادي : بول فوق رأسي وعلى قبري إن صدق كلامك ! لذا وبمجرد عودته لمنزله المتواضع الذي تبقى له في عدن ؛ كان أول ما سأل عنه والد حكيم أبنائه :أين مدفن صديقي الحميم كي أفي بوصيته؟.
كم لدينا من الحكام الفاشلين ؟ من الحكام الجهلة ؟ من الحكام القتلة واللصوص؟ الرئيس السابق واحد من هؤلاء الحكام الفاشلين الذين جاءت بهم الصدفة والحظ الى سدة الرئاسة، إنه من الصنف النادر والمميز ولكن في الكذب والزيف والإخفاق والثراء غير المشروع.
تصوروا ؛ كيف لشخص جاهل وفاشل وقد بات رئيساً لبلد تعداده الملايين ؟ إنها والله لمهزلة كبيرة هذه التي نشاهد فيها الجهل يستبد بالعلم والظلم يتسيد الحق والنفاق والكذب والزيف والفوضى والخيانة تتربع مكانة الصدق والصحيح والنظام والإخلاص.
في حالتنا العجيبة بدلاً من أن يكون النظام الفاسد لعنة وذكرى مريرة يجب طويها ونسيانها ولا أقول قذعها ورميها بأشنع الألفاظ والفضلات كما هي رغبة الحاج عبدالله والد حكيم ؛ صار النظام السابق هو من يلقي بمخلفاته وفضلاته على رؤوس الملايين من هذا الشعب الذي يتساوق حاله مع ذاك المعلم الفرنسي، فبرغم ثورة الأخير المبكرة على جهل وفشل تلميذه قبل أن يصير رئيسا ؛ كان جزائه عقابه بفضلات الجهل وبعيد مماته وعلى مثواه.