"ورقة الغاز" تُصعّد التوترات بين مصر وإسرائيل وتختبر اتفاق السلام

المدنية أونلاين/متابعات:

تصاعد السجال بين مصر وإسرائيل في أعقاب تسريبات تحدثت عن اعتزام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، «عدم تمديد اتفاق الغاز مع مصر»، وهو ما دفع رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» في مصر، ضياء رشوان، إلى الرد، محذراً من «عواقب إلغاء الاتفاق»، في مؤشر على بدء فصل جديد من التوتر المتزايد بين القاهرة وتل أبيب منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة.

وقال رشوان في لقاء تلفزيوني، مساء الأربعاء: «أنصح نتنياهو بإلغاء اتفاقية الغاز مع مصر، إذا كان يستطيع تحمل النتائج الاقتصادية وليست السياسية... سيكون هو الخاسر»، وأضاف أن «الحديث عن وجود مسار واحد للطاقة تعتمد عليه مصر (مجرد وهم)، والإدارة المصرية لديها بدائل وتضع سيناريوهات للتعامل مع ما يمكن أن يحدث».

وحسب خبراء تحدثوا مع صحيفة «الشرق الأوسط»، فإن ما نشره الإعلام العبري بشأن تجميد اتفاق الغاز، بدعوى «انتهاك مصر بنود اتفاق السلام» يُشكل اختباراً لـ«كامب ديفيد».

وتطرق رشوان في حديثه إلى حرب عام 1973 بين مصر وإسرائيل، ووصفها بأنها كانت «نزهة»، مضيفاً: «الآن الأسلحة تطورت والمسافات قصرت والقدرة على استخدام الأوراق العسكرية مختلفة، إذ حشدت تل أبيب 5 فرق لمحاولة السيطرة على قطاع غزة الذي تبلغ مساحته 356 كم، فماذا ستفعل في مواجهة جيوش نظامية حقيقية في المنطقة؟».

كانت صحيفة «يسرائيل هيوم»، قد أشارت الثلاثاء الماضي إلى أن نتنياهو أصدر توجيهات بـ«عدم المضيّ في اتفاق الغاز الضخم مع مصر من دون موافقته الشخصية»، على أن يبحث مع وزير الطاقة وعضو مجلس الوزراء السياسي والأمني المصغر (الكابينت)، إيلي كوهين، «ما إذا كان ينبغي المضي في الاتفاق، وكيفية فعل ذلك»، قبل أن يتخذ قراراً نهائياً بهذا الشأن، في ضوء «عدم التزام مصر بتعهداتها بموجب اتفاقية السلام».

ويشكل «ربط توقيع اتفاقية ذات بُعد اقتصادي بحالة الاتفاق ومدى الالتزام به تصعيداً استوجب الرد المصري سريعاً»، وفق المستشار بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، اللواء عادل العمدة. وأضاف أن «إسرائيل تتجاوز الخطوط الحمراء، وتحاول الآن التأثير سلباً بشكل مباشر على الاقتصاد المصري، كما أنها تمس بالأمن القومي المصري بالإصرار على تهجير الفلسطينيين»، لافتاً إلى أنه «لا تهاون في التعامل مع تصعيد إسرائيل، رغم أن الخيار الأول لمصر هو السلام؛ لكنه لا يعني عدم الرد، فلدى مصر قدرات على حماية متطلبات أمنها القومي».

العمدة رأى أن أي تجاوزات في حق اتفاقية السلام دون وساطات دولية؛ لوأدها، «سيقابلها رد مصري عنيف»، موضحاً أن «مصر حريصة على عدم الوصول إلى تلك النقطة ولديها استعداد للدخول في محادثات من شأنها تخفيف أي تصعيد، وهناك قوى دولية مؤثرة سوف تتدخل في تلك الحالة».

وبين الحين والآخر تطفو على السطح سجالات تبدأ من مسؤولين إسرائيليين بشأن حالة اتفاق السلام مع مصر، فخلال إحياء الذكرى الـ33 لوفاة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، مناحيم بيغن، في مارس (آذار) الماضي، قال وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إن «تل أبيب لن تسمح لمصر بـ(انتهاك معاهدة السلام) الموقَّعة بين البلدين».

وتزعم تقارير إسرائيلية وجود «خروقات مصرية متكررة لاتفاقية السلام»، من بينها «بناء أنفاق في سيناء لتخزين الأسلحة». وأثارت تصريحات لمحافظ شمال سيناء المصرية، خالد مجاور، وهو قائد عسكري سابق بشأن «جاهزية القوات المسلحة المصرية للحرب حال الاقتراب من الحدود المصرية»، جدلاً الشهر الماضي، مؤكداً حينها أن «رد القوات المسلحة سيكون مفاجئاً إذا فكر أي شخص في الاقتراب من الحدود المصرية».

المدير التنفيذي لـ«المجلس المصري للشؤون الخارجية»، السفير عزت سعد، قال إن الرد المصري جاء بعدما تمادى الطرف الآخر (أي إسرائيل) في أكاذيبه عبر نسج قصص طويلة في الإعلام العبري بشكل يومي عن مصر واتفاق السلام، وكان من المهم تذكير تل أبيب بأنه «لا طرف بمفرده يمكن أن يستفيد من تمديد اتفاقية الغاز، لأن أي تنقيب دائماً ما يسبقه التفكير في كيفية بيع هذه الكميات المُستخرجة».

ولا يستبعد سعد أن يؤثر التصعيد الإسرائيلي في غزة على مستقبل التعاون مع تل أبيب ليس فقط مع مصر لكن مع الدول العربية كافة، و«هناك جهود لبلورة موقف إقليمي عربي موحد من الأطماع الإسرائيلية في المنطقة، لأن هناك خطراً مشتركاً وحقيقياً».

ومنذ اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل في عام 1979 لم تشهد العلاقات بين البلدين توتراً مثل الحادث حالياً بسبب الحرب في غزة، خصوصاً بعد احتلال إسرائيل محور «فيلادلفيا» المحاذي للحدود المصرية بالمخالفة لمعاهدة السلام، ثم نقضها اتفاق وقف إطلاق النار الذي جرى التوصل إليه في يناير (كانون الثاني) الماضي بوساطة القاهرة، واستمرار إسرائيل في الحرب والتجويع لأهل غزة، ثم احتلالها محور «موراغ»، والترتيب لبناء مدينة خيام للغزيين قرب حدود مصر، فضلاً عن احتلال القوات الإسرائيلية معبر رفح من الجانب الفلسطيني وحصار القطاع.

وخلال الشهر الماضي وصف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لأول مرة، ما تقوم به إسرائيل في غزة من حرب تجويع بأنه «إبادة ممنهجة بغرض تصفية القضية الفلسطينية»، وهو الوصف الذي كرره وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، أكثر من مرة لاحقاً.

عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، أستاذ اللغة العبرية بجامعة الإسكندرية، أحمد فؤاد أنور، يرى أن «إسرائيل استخدمت إحدى أدوات الضغط السياسي على مصر لتحييدها عن تنفيذ مخطط (التهجير)، وذلك ضمن مجموعة أدوات أخرى بينها تفخيخ العلاقات مع الولايات المتحدة، والتعويل على الضغوط الاقتصادية للحصول على تنازلات». وأضاف أن «توجيه الأزمة باتجاه مصر لن يُفضي إلى تغيير الوضع القائم في قطاع غزة مع عدم القدرة على تحقيق النصر الكامل من وجهة نظر إسرائيل»، لكنَّ سيناريوهات التصعيد ستبقى مفتوحة على كل الاحتمالات خلال الفترة المقبلة، في ظل تحكم مجموعة من المتطرفين في القرار الإسرائيلي، خصوصاً أن مصر لن تنجرف إلى مساعي دفعها نحو «التكيف مع الرؤية الإسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية».

وفي منتصف الشهر الماضي، قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، إن تمديد اتفاقية الغاز السارية من 2019 إلى 2040 مع إسرائيل «لن يؤثر على موقف مصر القوي الواضح منذ وقوع الأزمة في غزة»، ورفضها كل محاولات «تصفية القضية الفلسطينية، أو تهجير أشقائنا الفلسطينيين من أراضيهم».

المصدر: الشرق الأوسط