
انهيار تاريخي للريال اليمني.. الدولار يتجاوز حاجز الـ2700 ريال في عدن
سجل الريال اليمني، تراجعًا قياسيًا جديدًا أمام العملات الأجنبية، في واحدة من أسوأ موجات الانهيار التي تشهدها العملة الوطنية منذ بدء الحرب قبل أكثر من عشر سنوات، وسط تحذيرات اقتصادية من تداعيات كارثية على حياة المواطنين واستقرار الأسواق في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة.
وأفادت مصادر مصرفية مطلعة، أن سعر صرف الدولار الأمريكي في ختام تعاملات الثلاثاء بلغ 2687 ريالًا للشراء، و2710 ريالات للبيع، في العاصمة المؤقتة عدن، فيما بلغ سعر صرف الريال السعودي 705 ريالات للشراء و710 ريالات للبيع. وفق ما نقلته وكالة خبر.
وأشارت المصادر إلى وجود تفاوت طفيف في الأسعار بين عدن وعدد من المحافظات المحررة، حيث سجلت محافظة مأرب أسعارًا أعلى نسبيًا، نتيجة ارتفاع مؤقت في الطلب على العملات الصعبة تزامنًا مع صرف إكراميات لقوات الجيش الوطني.
انهيار غير مسبوق
يُعد هذا الانهيار هو الأعمق منذ نقل البنك المركزي اليمني إلى عدن عام 2016، ويعكس حجم التدهور المتسارع في قيمة العملة الوطنية، في ظل غياب أي تدخل فعّال من قبل البنك المركزي اليمني لكبح جماح الأزمة.
ويخشى مراقبون من أن استمرار هذا المسار قد يفضي إلى مزيد من التضخم، ويؤدي إلى أزمة معيشية خانقة في بلد يعتمد على الاستيراد لتغطية أكثر من 90% من احتياجاته من الغذاء والدواء والمشتقات النفطية.
الأسباب وراء الانهيار
يرى خبراء اقتصاد أن الانهيار المتسارع للعملة اليمنية يعود إلى مزيج من العوامل البنيوية والسياسات المالية غير المنضبطة، التي راكمت الاختلالات في السوق وأفقدت الريال اليمني توازنه.
ويأتي في مقدمة هذه الأسباب فشل البنك المركزي اليمني في عدن في إدارة السياسة النقدية، لا سيما في ما يتعلق بآلية مزادات بيع العملة الأجنبية، التي شابها الكثير من العشوائية وانعدام الشفافية، الأمر الذي أتاح لشبكات من المضاربين والمصارف النافذة التحكم بالسوق وتوجيه الأسعار بما يخدم مصالحهم الخاصة.
كما ساهم غياب الدور الرقابي الفعّال على شركات الصرافة وتفشي السوق السوداء في تسعير العملات بشكل غير رسمي في تعميق الأزمة، حيث باتت التعاملات النقدية تسير خارج أطر المؤسسات الرسمية، ما قوض قدرة الدولة على التدخل وضبط التوازن النقدي.
ويُضاف إلى ذلك عجز الحكومة عن توظيف المنح والمساعدات بطريقة مؤسسية تخدم الاستقرار المالي، حيث لم ينعكس الدعم الخارجي على استقرار السوق أو تحسن الخدمات أو القوة الشرائية للمواطن، ما أفقد الشارع ثقته بأي دعم قادم.
ومن الأسباب أيضًا تراجع الإيرادات العامة بشكل ملحوظ، خصوصًا في قطاع النفط، الذي كان يشكل الرافد الأهم لخزينة الدولة، بالإضافة إلى العجز شبه الكامل عن تحفيز الاقتصاد الحقيقي وخلق مصادر دخل بديلة، في وقت تتسع فيه فاتورة الاستيراد وتتراجع فيه القدرة على تغطية التزامات الدولة تجاه موظفيها ومواطنيها.
تداعيات مباشرة على حياة المواطنين
باتت أسعار السلع الأساسية تشهد ارتفاعات متسارعة خلال الأيام الأخيرة، في ظل تدهور الريال، مع شكاوى متزايدة من المواطنين بشأن العجز في الحصول على المواد الغذائية والدوائية بأسعار مناسبة، بينما تتزايد أعباء المعيشة في ظل انعدام الدخل وفرص العمل.
ويرى خبراء اقتصاديون إن "الهبوط الحالي ينذر بانفجار معيشي واسع، وقد يُغذي حالة من الغضب الشعبي في حال لم تتحرك الحكومة سريعًا لضبط السوق، وتفعيل أدوات السياسة النقدية عبر شراكات حقيقية مع المانحين والمؤسسات الدولية".
وأشاروا إلى أن "غياب الثقة بالقطاع المصرفي، وتنامي دور المضاربين، وانعدام الشفافية، جميعها عوامل تُفاقم من هشاشة الوضع المالي للدولة، وتُهدد بانهيار شامل قد لا يمكن تداركه على المدى القصير".
دعوات للتحرك
في ظل هذا الانحدار الخطير في قيمة العملة الوطنية، تتصاعد الدعوات من الأوساط الاقتصادية والحقوقية لتحرك حكومي جاد وفعّال يعالج الأزمة من جذورها، ويتجاوز مرحلة المسكنات والمناشدات.
وتشدد هذه الدعوات على ضرورة إعادة هيكلة البنك المركزي بشكل عاجل، بما يضمن استقلاليته وقدرته على اتخاذ قرارات نقدية بعيدًا عن التأثيرات السياسية أو الضغوط من نافذين ماليين، إلى جانب تعزيز أدوات الرقابة على سوق الصرف، واستعادة السيطرة على حركة العملات من أيدي المضاربين وشبكات السوق السوداء.
كما يُطالب مختصون بوضع آليات شفافة لإدارة المنح والمساعدات المالية، وربطها بمؤشرات أداء حقيقية، مع إشراك هيئات رقابية مستقلة لضمان عدم تسرب هذه الموارد أو توجيهها لخدمة أجندات ضيقة.
ويؤكدون على ضرورة استعادة الثقة بالقطاع المصرفي، من خلال إصلاح إدارته وتطبيق المعايير الدولية في الحوكمة والمساءلة، بما يعيد جذب التحويلات والاستثمارات، ويحد من لجوء المواطنين إلى القنوات غير الرسمية.
في السياق ذاته، تبرز الحاجة الملحّة إلى تحفيز الإنتاج المحلي، خصوصًا في قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات، لتقليل الاعتماد على الواردات، وتوفير بدائل اقتصادية حقيقية تخفف الضغط على سوق العملات.
كما تزداد المطالب بوضع خطة طوارئ اقتصادية شاملة، تقودها كفاءات مهنية، وتُنفّذ بإرادة سياسية واضحة، قادرة على الخروج من الدوامة الاقتصادية التي باتت تهدد بقاء مؤسسات الدولة واستقرار المجتمع.