"يتيمة أحزان" بيت حميد الدين.. وفاة آخر بنات الإمام يحيى

المدنية أونلاين/فؤاد مسعد:

غيّب الموت هذا الأسبوع تقية بنت الإمام يحيى حميد الدين عن قرابة مائة سنة، وهي آخر من بقي حياً من ذرية يحيى مؤسس "المملكة المتوكلية اليمنية"، استمرت مدة حكمه بين عامي 1918 و 1948، وأعقبه نجله أحمد حتى عام 1962. 

اشتهرت الراحلة بـ"يتيمة الأحزان"، عنوان الكتاب الذي دوّنت فيه مذكراتها، وتناولت فيه أهم الحوادث التي عاشتها مع أسرتها التي كانت تحكم شمال اليمن حتى قيام ثورة سبتمبر 1962، التي قضت على الحكم الإمامي.

تبدأ حياتها- ومذكراتها- منذ كانت طفلة في بيت والدها الإمام يحيى حميد الدين، ووفاة والدتها وعمرها لم يتجاوز السبع سنوات، ثم زواجها لأول مرة من أحد الأمراء، وهو عبدالله بن علي الوزير، نجل أحد حلفاء والدها في تثبيت حكمه، وكان يكبرها بنحو 17 سنة، وسبق له الزواج قبلها ثلاث مرات.

تبدأ الأحداث الكبرى تعصف بالبيت الحاكم مع اندلاع ثورة الدستور مطلع العام 1948، تمكن الثوار من قتل الإمام يحيى وبعض أبنائه، لتكتشف تقية أن زوجها ضالع في التخطيط للثورة على أبيها، وله دور في عملية اغتياله، فتجد نفسها بين أب وإخوة قتلى وزوج ضالع في قتلهم والثورة على حكمهم، بل إنه أصبح أحد كبار مسؤولي حكومة الثورة التي قادها عمه عبدالله بن أحمد الوزير.

وفي سياق حديثها عن تلك الوقائع تتساءل: "هل يمكن لعاقل في هذه الدنيا أن يتصور أن زوجا يتآمر لقتل والد زوجته ثم يعود ليبث لواعج إخلاصه لزوجته ووالدها؟ ويذرف الدمع مدراراً على فقد ضحيته؟ كلها وقائع حقيقية، عشت في أتونها واكتويت بنيران حسراتها".

بعدها تمكن أخوها أحمد من إفشال ثورة الدستور والقضاء عليها بعد ثلاثة أسابيع من قيامها، وقلبت الأيام ظهر المجن للثوار ومنهم زوجها وكثير من أقاربه ورفاقه، أما هو فوافاه الأجل خارج البلد بعد فترة قصيرة من الزمن.

استقرت الأوضاع لبيت حميد الدين مجدداً في عهد أخيها أحمد، وتزوجت برجل آخر من آل الكبسي، وفيه وجدت ما لم تجده في سلفه من الوفاء لبيت الإمامة ودولتهم، غير أن الثورة سرعان ما هبت من جديد في العام 1962، وهنا كان وقعها أشد على بيت حميد الدين، رغم أن الصراع استمر سنوات بين فلولهم والثورة، وهنا واجهت تقية وأسرتها الأهوال خاصة قبل أن يتمكنوا من مغادرة العاصمة صنعاء، حيث أطبق الثوار على قصور الإمامة المنتشرة في مناطق وأحياء عدة.

تحتل هذه الأحداث مساحة واسعة من مذكرات يتيمة الأحزان، التي ترى في والدها مثال الحاكم العادل والأب الحنون، وتحتفي بمواقف من دافعوا عنها وعن أسرتها إبان الثورة، كما ولا تخفي تأثرها بما يحدث خلال الثورة من قتل وتدمير وتشريد، يكون ضحاياه كثير من اليمنيين.

 في صفحات مذكراتها تتناول اليتيمة المواقف الخاصة التي عاشتها وبعض الأحداث العامة التي عصفت بها وبأسرتها، سنوات الطفولة في كنف بيت الحكم، ثم العيش تحت وطأة التمر والثورة والحرب والصراعات المستمرة، إلى أن تستقر خارج اليمن، وهناك تبدأ العيش بواقع جديد يمنحها الهدوء والسكينة، لكن دون أن يجعلها قادرة على نسيان العواصف والرياح التي طبعت مشاهد حياتها وحياة أسرتها واليمن عامة.

ما كتبته تقية في "يتيمة الأحزان"، جدير بالقراءة، ليس لقيمته التاريخية ولغته الأدبية ولكن لأنه جزء من حياة اليمنيين خلال مرحلة زمنية حاسمة في تاريخهم، تشمل ثورتين وإمامين وأكثر من عشرين سنة من الصراع.