الأغنية اليمنية.. إرث زاخر يحتضر في أتون الحرب

المدنية أونلاين/عبداللاه سُميح/إرم:

في الوقت الذي أحيا اليمنيون "يوم الأغنية اليمنية"، السبت، الذي يصادف الأول من يوليو/ تموز كل عام، في محاولة لتسليط الأضواء على التراث الفني المحلي الزاخر، أصيب شخصان في مواجهات مسلحة اندلعت بين قوة عسكرية وأخرى أمنية، وسط مهرجان فنيّ أقيم في محافظة تعز جنوب غرب البلاد، كُرّم خلاله أحد أبرز الأسماء الفنية في البلاد، الفنان محمد محسن عطروش.

وكان الحدث الذي شهدته مدينة تعز يوم السبت، بمثابة دليل على التحديات المتعددة التي راكمتها سنوات الحرب، والتي يأتي في مقدمتها الاستقرار والأمن، كشرطين أساسيين لتوفير بيئة إبداعية فنية منتجة، لإعادة الحياة إلى الأغنية اليمنية.

واحتفى اليمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي، بـ"يوم الأغنية اليمنية"، الذي جاء بقرار حكومي في العام 2021، عبر إبراز التراث الفني المحلي، ومشاركة مقطوعات من أشهر الأغاني اليمنية، وصور أبرز الفنانين المحليين الذين ذاع صيتهم على مستوى الخليج والدول العربية.

ودعا وزير الإعلام والثقافة والسياحية اليمني، معمر الإرياني، في تغريدة على تويتر، إلى تفاعل واسع وتخصيص البرامج والمشاركات للاحتفاء بالأغنية اليمنية على هاشتاغ "يوم الأغنية اليمنية" باعتبارها "جزءاً من هويتنا وتاريخنا، وردًا على مشاريع ميليشيا الحوثي الإرهابية المدمرة، فالفن له أيضاً دور وطني في مقارعة الميليشيات وتعزيز الهوية الوطنية والعربية التي يحاول الحوثي طمسها واستبدالها بالهوية الفارسية".

وتأتي هذه المناسبة، في وقت تواجه الأغنية اليمنية مرحلة غير مسبوقة من التراجع، على مدى أكثر من عقد، تضاعفت بفعل الحرب وإرهاصاتها التي أجهزت على ما تبقى من أنشطة ثقافية وفنية، وسط حالة الإهمال الحكومي، التي شلّت قدرة الأغنية اليمنية عن الإنتاج وجعلتها مكتفية برصيدها ومخزونها التاريخي.

ويقول الناقد الفني، عصام خليدي، في حديثه مع موقع "إرم نيوز"، إن الأغنية اليمنية التي كانت تحتل مراكز الصدارة خلال الفترات الماضية، وصلت إلى مستوى متأخر من التراجع والانحسار، "وأصبحنا اليوم في وضع المتلقي لكل الأغاني الوافدة، المتدنية والهابطة في مستواها من حيث النصّ والرؤى الجمالية المعدومة، في تراكيب قوالب الجمل اللحنية الضعيفة، والأداء الركيك والتوزيع والتنفيذ المغيب في وقتنا الراهن" بحسب وصفه.

ويرى خليدي أن عودة ريادة الأغنية اليمنية، "يحتاج إلى إرادة وطنية سياسية، تعيّ أهمية دور الفنان في بناء الأوطان والمجتمعات الراقية، وأثر المبدعين في صناعة وتطور مستقبل البلد، كما نحتاج إلى استنهاض رأس المال الوطني والقطاع الخاص في الاستثمار في مجال الفنون والثقافة والغناء".

 من جانبه، يعتقد المؤلف الموسيقي، محمد القحوم، أن أسباب الفجوة الرئيسية بين الإرث الغنائي، ومستوى الإنتاج الحالي، مرتبط بالأحداث السياسية التي تعصف بالبلد، والتي أفرزت واقعًا غير مستقر، يؤثر بشكل مباشر وكبير على الفنون والثقافة عامة، "ففي وقت الأزمات والصراعات لا تكون هناك أولوية للفنون، سواء من الجانب الأكاديمي، أو كعرض فني أو غيره، وبالتالي فإن الأمور تتحول إلى اهتمامات شخصية من قبل أفراد، بعيدًا عن المؤسسة والحكومة".

وأشار القحوم، في حديثه مع "إرم نيوز"، إلى أن هناك جهود شبابية مبذولة لترسيخ الأغنية اليمنية، بجهود فردية، عبر استغلال وسائل التواصل الاجتماعي، بشكل ذكي، لإيصال الأعمال اليمنية وتراث بلدهم إلى أكبر قدر من الجمهور.

وقال إن أبرز احتياجات الأغنية اليمنية اليوم لإحراز تقدم كبير ونوعي، هو الاهتمام الرسمي أو الحكومي، بحيث يُنقل هذا الجانب إلى مستوى أكاديمي، وتوفير معاهد موسيقية ومهرجانات كبيرة في البلد، وإيجاد دور عرض أو منصات أو مسارح، وبذل مزيد من الاهتمام بالنشاطات التوثيقية، إضافة إلى سير الحركة الفنية بشكل مستمر ومتواصل.

بدوره، علق الباحث السياسي، عبدالله إسماعيل، في تغريدة على تويتر خلال هذه المناسبة، بأن اليمني "غنى للحرب والحب، وللحصاد والاغتراب. للفرح والحزن، وأودع في أغانيه، عشقه للسماء، وتمسكه بأرضه وهويته، وتفاصيل حياته، ومسيرة ثوراته، وعظمة انتصاراته، وجذور تاريخه. غنت المدن ومولت الصحاري وهجلت الحقول، وترنمت القرى والبيوت. الأغنية ليست ترفاً، بل هوية وذاكرة".