البنك الدولي يتوقع نمواً اقتصادياً يمنياً في ظل السلام

المدنية أونلاين/صحف:

توقع البنك الدولي أن يؤدي اتفاق سلام دائم في اليمن إلى تحقيق عوائد اقتصادية كبيرة، والمساهمة في نمو الاقتصاد، رغم تقديره السابق لحاجة اليمن إلى مليارات الدولارات من أجل التعافي الاقتصادي؛ وترجيح منظمات أممية زيادة في سوء الأوضاع المعيشية في البلاد.

وفي تقريره المعنون «المستقبل: بارقة أمل في أوقات قاتمة» قال البنك الدولي: «إذا تم التوصل إلى اتفاق سلام دائم في اليمن، فقد يكون ذلك إيذانا بعوائد سلام كبيرة لأبنائه، التي تتمثل في زيادة تصل إلى 6 نقاط مئوية في مسار نمو إجمالي الناتج المحلي». مبشراً بنمو كبير في حجم الاستثمارات العامة والخاصة ومعدلات التوظيف والإنتاجية فضلا عن تراجع نسب الفقر.

وأشار التقرير إلى احتمال أن يؤدي ذلك إلى زيادة تراكمية في إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بمقدار الثلث على مدار السنوات الخمس القادمة بالمقارنة بالوضع الراهن، بشرط توافر العديد من العوامل، ومنها زيادة مساعدات المانحين وإعادة فتح مسارات النقل الرئيسية في البلاد، ووجود قطاع خاص قادر على الصمود والاستمرار.

ويقدر أن الصراع أدى إلى انكماشٍ بنحو 50 في المائة في إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بين عامي 2011 و2022، ملحقاً أضراراً أو دماراً في أكثر من ثلث المنازل والمدارس والمستشفيات ومنشآت المياه والصرف الصحي في البلاد، لتزداد مؤشرات الإنتاجية تدهوراً مع اشتداد العنف.

ووفقاً للتقرير؛ فإن إنتاج النفط الذي يعد ركيزة حيوية لاقتصاد البلاد، تضرر بشدة جراء الحرب، ما أدى إلى تقويض قدرة الحكومة على مساندة السكان من خلال تقديم الخدمات الأساسية، وأثر على التوظيف في القطاع العام، منوهاً إلى أن كثيرا من موظفي الخدمة المدنية لا يتقاضون رواتبهم إلا بصورة جزئية أو بشكل مُتقطع.

جرعة أمل

يستدرك البنك في تقديمه للتقرير مانحاً الأمل بأن نظام اللامركزية الذي أصبح بحكم الأمر الواقع في اليمن قد يساعد على النمو في المستقبل، وهو ما يوافق منظوراً تم التعبير عنه باستمرار في مقابلات تمت مع مصادر المعلومات الأساسية للتقرير، مبديا أسبابا أخرى تدعو للتفاؤل الحذر بشأن التعافي المحتمل حينما يتم التوصل إلى اتفاق سلامٍ شاملٍ للجميع.

ومن هذه الأسباب، بحسب التقرير، ما يتميز به الشعب اليمني من روح العمل الحر، لا سيما بين النساء، والقرب من أسواق الجوار مرتفعة الدخل في دول الخليج، والإمكانات الاقتصادية التي يتمتع بها اليمن من التصنيع الزراعي وإنتاج الصناعات التحويلية الخفيفة وصادراتها.

وتضمن تقديم البنك الدولي لتقريره حديثاً لمديرة مكتبه في اليمن تانيا ميير التي قالت إن «إحلال السلام ضرورة حتمية لتحقيق نمو شامل للجميع، وتعزيز التنمية المستدامة، وفوق ذلك كله، تحسين ظروف المعيشة للشعب اليمني»، منبهة إلى ضرورة الدراية الواضحة بالحقائق على أرض الواقع، لأن المصاعب التي يواجهها اليمنيون هائلة كالتضخم وتدني جودة الوظائف وعدم استقرار القطاع العام.

وسبق للبنك الدولي أن أعلن قبل نحو شهر أن ما يقارب 17 مليون يمني؛ يعانون من انعدام الأمن الغذائي؛ بسبب الحروب والأوضاع الاقتصادية المتردية، وأنّ الجوع وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية تُعدّ من بين التحديات الأكثر إلحاحاً في اليمن، التي تفاقمت بسبب الصراع الذي طال أمده في البلاد.

وتحدث حينها عن خطة تأهب لأزمة الأمن الغذائي في اليمن للتخفيف من تأثير الأزمات الغذائية في المستقبل، مرجحا أن يكون للزراعة كثير مما تقدمه للمساعدة في الهروب من الحلقة المفرغة للأزمات المتكررة والفقر المزمن الذي يمكن أن يساعد في دفع البلاد نحو طريق الصمود على المدى الطويل.

وفي مارس (آذار) الماضي قدّم البنك الدولي منحة بـ207 ملايين دولار، لدعم الأمن الغذائي في اليمن، بهدف معالجة انعدام الأمن الغذائي المزمن وسوء التغذية في اليمن، لكنه عاد بعد ذلك بشهر ليعلن حاجة اليمن إلى ما بين 11.82 و16 مليار دولار خلال العام الحالي، وما بين 11 و22 مليار دولار العام القادم لإعادة بناء الاقتصاد المحلي.

ويأتي تقرير البنك الدولي بعد يوم فقط من إعلان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن (أوتشا)، عن تخصيص 18 مليون دولار لتلبية الاحتياجات العاجلة للمتضررين من الأزمة الإنسانية في البلاد، والمساهمة في منع المجاعة ومعالجة المستويات المتزايدة من انعدام الأمن الغذائي التي تسبب بها الصراع والصدمات الاقتصادية وتغير المناخ.

وحذر المكتب في بيان صادر عنه بهذا الشأن من أن الأزمة الإنسانية في العام الحالي ستؤثر على 17.3 مليون شخص، بينما تمّ حتى نهاية مايو (أيار)، تمويل خطة الاستجابة الإنسانية لليمن بنسبة 23.5 في المائة فقط، وذلك بعد أسبوع من تحذير سابق له من أن نقص التمويل سيعرض الاستجابة الإنسانية في اليمن للخطر، ويؤدي إلى تقليص معظم الأنشطة والخدمات الضرورية خلال الستة الأشهر المقبلة.

ووفقا لتقرير صادر عن المكتب؛ فإنه لم يتم تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في الربع الأول من هذا العام سوى بنسبة 10.4 في المائة فقط من إجمالي 4.3 مليار دولار مطلوبة لتلبية الاحتياجات الملحة لـ17.3 مليون شخص من الفئات الأشد ضعفا، ما أجبر منظمات الإغاثة على تقليص أو إغلاق برامج إنسانية ضرورية.

التنمية هي الحل

أشار التقرير إلى أن منظمات الإغاثة في اليمن تواجه نقصا كبيرا في التمويل، وسط تزايد الاحتياجات الإنسانية، الأمر الذي يعرض الاستجابة المنقذة لأرواح ملايين الأشخاص للخطر.

وتشكو الأمم المتحدة دائماً من نقص التمويل، مقارنة بالخطط المقترحة لتمويل مواجهة الأزمة الإنسانية في اليمن، التي تعدها المنظمة الأممية الأسوأ في العصر الحديث، وعقدت لأجل جمع التمويل لمعالجتها مؤتمراً للمانحين من عدة نسخ في السنوات الماضية، وتمكنت في النسخة الأخيرة منه المنعقدة أواخر فبراير (شباط)، من جمع 1.2 مليار دولار، من أصل 4.3 مليار كانت تخطط للحصول عليها.

وتساءل جمال بلفقيه، مستشار وزارة الإدارة المحلية اليمنية لشؤون الإغاثة، عن وجود إحصاءات دقيقة قامت بها المنظمات الدولية عن أعداد الأسر المحتاجة والمهددة بالمجاعة؟ وهل تستطيع الأمم المتحدة الوصول بنفسها إلى كل المناطق؟!، مستدركاً بأن أعمال الإغاثة وتقديم المساعدات تحدث بالاعتماد على التكهنات بأعداد المستهدفين دون وجود دراسات إحصائية ومسحية حقيقية.

وفي حديثه مع صحيفة «الشرق الأوسط» طرح بلفقيه وجهة نظره لتقديم حلول ناجعة لإنقاذ الأسر اليمنية من المجاعة، بتحديد مناطق الاستهداف ودعم الأسر ببرنامج متكامل لربط الغذاء بالإنتاج، مثل الغذاء مقابل الإنتاج في المجال الزراعي أو تربية الحيوان أو غيره من مشروعات متوسطة مدرة للدخل.

تفعيل الشراكة

بحسب بلفقيه، وهو أيضاً منسق عام اللجنة العليا للإغاثة في اليمن؛ فإنه في ظل تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية والتغير المناخي والزلازل في تركيا وروسيا، ثم الصراع في السودان وزيادة الاحتياجات العالمية وضعف خطة الاستجابة 2023 التي تعهدت الدول المانحة فيها بدعم اليمن بمليار ومائة مليون دولار فقط؛ يبدو أنه لا يمكن إيجاد حل حقيقي وجذري للأزمة الإنسانية في اليمن.

ومن الضروري طبقاً لرأيه تفعيل شراكة حقيقية بين الدول المانحة وشركائهم من المنظمات الدولية لتحديد الاحتياجات الحقيقية مع تقليص الميزانيات التشغيلية والإدارية، لتحقيق أعلى استفادة للمستهدفين، إلى جانب ترشيد المبالغ المالية واستخدامها للتنمية، وخاصة في الزراعة وتربية الحيوانات وصيد الأسماك، وتوجيهها لتستفيد منها المرأة في مواجهة التحديات القادمة عند نقص الأمن الغذائي.