"تجويع المعلمين".. سلاح حوثي للقضاء على التعليم وتجهيل اليمنيين (تقرير)

المدنية أونلاين/إبراهيم الظهرة/خاص:

تحول التجويع شيئاً فشيئاً إلى سوط وأداة تستخدمه مليشيا الحوثي الإرهابية في اليمن، ضمن سياستها للقضاء على التعليم وتجهيل المجتمع، وسيق الصغار والشباب إلى الموت في جبهات القتال التي لم تتوقف منذ نحو 8 أعوام.

تؤكد منظمة رعاية الطفولة في اليمن بأن "أكثر من نصف المعلمين والعاملين في مجال التعليم في اليمن، أو حوالي 190 ألف شخص، اضطروا إلى إيجاد مصادر دخل ثانية لإطعام أنفسهم وأسرهم، بما في ذلك العمل (في الشارع)، بسبب عدم حصولهم على رواتبهم منذ عام 2016".

واستعانت مليشيا الحوثي هذا السلاح الخطير "سلاح الجوع" لترسيخ حكمهم في مناطق سيطرتهم وإخضاع سكان تلك المناطق، فمارسوا كل أنواع وصور التجويع، حتى وضعوا الملايين من أبناء الشعب على حافة الهاوية، وكان المعلمين أصحاب النصيب الأكبر من هذه السياسة القاتلة.

معلمون "في قلب الجحيم"

ويصف أمين عام نقابة المعلمين اليمنين حسين الخولاني حالة رواتب المعلمين خلال السنوات الماضية بـ"باللاراتب وما كان يقدمه الحوثيون فقط هو كالمخدرات حتى لا ينتفض المعلمون في وجههم".

تقول نقابة المعلمين اليمنيين في آخر تقاريرها الحقوقية –الجريمة المغيبة- بأن "الإحصاءات الموثقة تشير أن (%60) من إجمالي العاملين في القطاع التربوي البالغ عددهم290)) ألف موظف لم يحصلوا على مرتباتهم بشكل منتظم منذ 4 أعوام". 

ويضيف التقرير: "دفعت الحرب وانقطاع المرتبات بآلاف المعلمين للصفوف الأولى للفقر والحاجة، وأسهمت 7 سنوات من التجاهل إلى أن يعيش المزيد منهم في قلب الجحيم، فقد تزايدت حالات الانتحار في مناطق سيطرة الحوثيين، وتأثرت حياة التربويين وعلاقاتهم الأسرية الاجتماعية سلباً، حتى أقدم بعضهم على الانتحار بعد أن عجزوا عن توفير متطلبات الحياة لأطفالهم".

تتسع المعاناة لتتوزع على 223 مديرية من أصل 334 مديرية على مستوى الجمهورية، فيما تشكل مديريات تعز نموذجاً مختلفاً حيث تصرف الحكومة الشرعية رواتب المعلمين في كافة مديريات المحافظة الـ23 رغم استمرار سيطرة المليشيات الحوثية على 7 منها حتى الآن.

وحسب أمين عام نقابة المعلمين بمحافظة تعز عبدالرحمن المقطري، فإن 43.635 معلماً ومعلمة وتربوياً في المحافظة يتقاضون رواتبهم من الحكومة الشرعية، منهم 17.107 يعملون في مديريات: شرعب الرونة، شرعب السلام، التعزية، حيفان، خدير، ماوية وأجزاء من مديرية مقبنة.

لم تقع مشكلة أجور ومرتبات المعلمين والمعلمات أمام ناظري مبعوثي السلام الذين يضعون "الشأن الإنساني" رفيقاً لتحركاتهم؛ ولا فعلت المنظمات الإنسانية الأممية التي تعمل في اليمن وقد جمعت ثم أنفقت الكثير باسم الأزمة الإنسانية ذاتها.

ويقول قيادي نقابي لـ«المدنية أونلاين»، بأنه "رغم كل تلك المليارات التي تزعم المنظمات الدولية أنها أنفقتها في اليمن لم تطرح المنظمات سيناريو حل من حلول الأزمة الإنسانية يتصل بانتظام دفع رواتب الموظفين ومن بينهم المعلمين وما يعنيه ذلك من تخفيف الأعباء عن قطاع واسع من اليمنيين وأسرهم".

وحسب البيانات فإن التكفل برواتب الموظفين لم يكن ليكلف أكثر من ثلاثة مليار ريال (نحو 5 مليون دولار شهرياً) لقرابة أربعمائة ألف موظف مدني في المناطق المحرومة من المرتبات بفعل سيطرة الحوثيين عليها وعلى إيراداتها دون دفع رواتبهم.

ويقول الخبير الاقتصادي فارس النجار بأن "الجماعة الحوثية تجمع إيرادات مهولة لكنها تسخرها لصالح حربها المستمرة منذ قرابة ثمان سنوات حتى الآن".

وينعكس هذا الأمر في المقابل على تدني مستوى التعليم، الذي شهد انهياراً كبيراً في مناطق سيطرة الحوثي، وسط محاولات حوثية لتجهيل المجتمع والدفع بمزيداً من المقاتلين الصغار إلى الميدان، لخفض التكلفة البشرية عليهم.

اختراق "استكهولم" 

نصت اتفاقية استكهولم الموقعة 2018 على أن "تودع جميع إيرادات موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى في البنك المركزي اليمني من خلال فرعه الموجود في الحديدة للمساهمة في دفع مرتبات موظفي الخدمة المدنية في محافظة الحديدة وجميع أنحاء اليمن".

منذ ذلك الحين فإن أغلب الموظفين الحكوميين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يتوقون لاستلام رواتبهم المنقطعة ومن ضمنهم أكثر من 136.799 معلم ومعلمة وفق مصادر بوزارة التربية والتعليم و171.600 وفق منظمة اليونيسف، وأكثر من 174.000 وفق تقارير نقابة المعلمين اليمنيين.

وحين يتجدد الحديث عن مشاورات سلام أو اتفاقات هدن كـ إبريل/مايو 2022، وتمديدها لـ يونيو/يوليو2022، فإن أبرز ما يعني الموظفين بمن فيهم المعلمون والمعلمات هو مصير رواتبهم.

ويترقب المعلمون الاتفاقات التي كانت قد تضمنت حلا بخصوصها بعد كل هذه الأعوام التي انقطعت فيها في سابقة لم تشهدها البلاد؛ وربما مثلت سابقة على مستوى العالم، والاختراق الوحيد هو مصادرة الحوثيين لما جمع في البنك المركزي فرع الحديدة وفق اتفاق استكهولم بعشرات المليارات ورفض الحوثين صرف الرواتب من تلك الأموال.

إيرادات كافية

ولعل صرف رواتب المعلمين والمعلمات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية ليس بتلك الصعوبة التي يصورها الحوثيون، لكن "التماهي الصريح وواضح من منظمات الأمم المتحدة مع الحوثيين"، حسب الخبير الاقتصادي النجار، هو ما تسبب في هذا الأمر.

ومع دخول عشرين سفينة نفط منذ الأول من أبريل 2022، تصل إيرادات الشحنات التي دخلت والتي تحصل عليها الحوثيون إلى ثمانين مليار ريال – أكثر من 14 مليون دولار، حيث من المفترض استخدام هذه المبالغ وفق اتفاقي استكهولم والهدنة لدفع رواتب الموظفين في مناطق سيطرة الحوثيين.

حسب تقرير الخبراء التابع للأمم المتحدة، فإن مليشيات الحوثي تحصل على إيرادات ضرائب وجمارك بلغت عام 2018 مليار وثمانمائة مليون دولار وهي تكفي رواتب ثلاث سنوات في مناطق سيطرة الانقلابين.

 ويقول النجار لـ«المدنية أونلاين»: "جماعة الحوثي تعمدت إهمال هذا القطاع بالذات بشكل كبير لأنها تريد من شباب اليمن الاتجاه إلى مراكزها ومن ثم تدفع بهم إلى جبهات القتال". 

ورغم أهمية تلك الرواتب للعمل على حماية العملية التعليمية في البلاد والمساهمة في الإغاثة الإنسانية الفاعلة لقطاع واسع من المجتمع، يؤكد خبراء بأن قضية رواتب المعلمين والمعلمات في مناطق سيطرة الحوثين لم تشهد معالجات من قبل السلطات الشرعية حتى الآن.

متى يصرف الراتب؟

تطالب نقابة المعلمين بـ"صرف رواتب جميع المعلمين في كافة محافظات الجمهورية اليمنية بدون استثناء وفق كشوفات التوظيف للعام2014، وبشكل عاجل لضمان استمرار العملية التعليمية، مع ضرورة رفع مرتباتهم بما يتناسب مع الوضع المعيشي في البلد وتدني سعر العملة المحلية امام العملات الأجنبية".

ويؤكد نقيب المعلمين في محافظة تعز المستشار عبدالعزيز سلطان بأن "هذا الموضوع عائد إلى المعلمين في تلك المناطق".

ويتفق معه التربوي أبو المجد الذي يقول إن "صرف المليشيا نصف راتب مرة أو مرتين في العام بأنه إسكاتاً لهم وفرضاً لأسلوب جديد من التبعية والعبودية" في الوسط التربوي".

ويرى بأن أي حل مع الحوثين لا يتضمن إنهاء انقلابهم إنما هو "ترقيع؛ ودعاية وإعلان؛ ومقطوعة موسيقية"، وأن الحل يأتي هكذا وأن تسليم الشرعية للرواتب دون إلزام الحوثيين إنما هو "تمديد للانقلاب وقبول الموظف بالأمر الواقع".

فيما يشدد أمين عام نقابة المعلمين حسين الخولاني بأن على "الأمم المتحدة والمجتمع الدولي والسلطة الشرعية والنقابات والمعلمين الضغط لإلزام الحوثيين بصرف الرواتب، خصوصاً وأن ذلك هو ما تنص عليه مبادئ الأمم المتحدة التي لا يسمع منها غير التصريحات ورفض المساس برواتب الموظفين، والمطالبة لسلطات الأمر الواقع بصرف رواتب من يقعون تحت سلطتها.

كما يضيف الخولاني "إذا ذهبنا في اتجاه الأمل فإنه معقود على السلطة الشرعية الممثلة في المجلس الرئاسي الذي وضع صرف الرواتب من أولى أولويات مهامه ونرجو أن يكون ذلك قريباً، لكن في مناطق الحوثي فإن المليشيا تعمل على تجويع المعلمين لكي يزداد التعليم إنهياراً".