"تعرفة الكهرباء بتعز".. بين غياب الرقابة وبطش المستثمر (تقرير)

المدنية أونلاين/أحمد سعد/خاص:

أبو إلياس مواطن من مدينة تعز يعمل في أحد المحلات التجارية براتب زهيد، عزم على توصيل التيار الكهربائي إلى منزله، لكن هذا الأمر زاده من أعباء تكاليف الحياة بسبب ارتفاع تعرفة الكهرباء، والذي يتعارض مع سعر الديزل الحالي.

فالأجهزة التي يستهلكها أبو إلياس في منزله تتمثل في شاشة تلفاز و"لمبتين"، فيبلغ سعر ما صرفه في غضون أسبوعين أكثر من خمسة آلاف ريال، وهو ما اعتبره إستغلال واضح للمواطن، كما يقول أنه لا يستطيع تشغيل أجهزة كبيرة في المنزل خوفا من التكلفة الباهظة لسعر الفاتورة نهاية الشهر.

ويقول أبو إلياس في حديث لـ"المدنية أونلاين"، أن مشكلة الإنطفاء تتكرر حتى مع الكهرباء التجاري وهذه مشكلة تضاف الى جانب مشكلة إرتفاع سعر التعرفة، ولا يمكن وجود حل لهذه المشكلة إلا أن بتشغيل كهرباء الدولة فهي الضامن الوحيد لإنهاء أزمة المواطن التي من المحال الاستغناء عنها.

غياب الرقابة

وبسبب غياب رقابة السلطة المحلية في المحافظة عن أسعار الكهرباء ووضع لائحة تحدد سعر التعرفة وفقا لمصرفات الشركة وتناسبا معها، انعكس سلبا على حال المواطن واستعداده للاشتراك والدفع.

فالصحفي وفيق صالح، يؤكد في حديث لـ"المدنية أونلاين"، أن سبب ارتفاع الكهرباء التجارية في مدينة تعز يعود إلى غياب الرقابة من قبل السلطة المحلية على ملاك المحطات التجارية، وفوضى السوق خلال الفترة الأخيرة بسبب اضطراب سعر العملة الوطنية وارتفاع أسعار الوقود.

ورغم ذلك يعتبر الصحفي صالح، قيمة التعرفة التي يقرها ملاك المحطات التجارية على المواطنين كبيرة جدا، وليس هناك أي مبرر لها، حيث أنها تفاقم من الأعباء المالية على المواطن وتزيد من تكلفة الوضع المعيشي في أبسط الخدمات الأساسية التي يفترض أنها تقدم للمواطن بسعر رمزي ومناسب خصوصا في هذه الظروف المعيشية الصعبة الذي يعيشها المواطنين.

بينما يوضح الزوقري لـ"المدنية أونلاين" وهو مالك شركة كهربائية، أن سبب إرتفاع تعرفة الكهرباء راجع إلى إرتفاع أسعار الديزل، كما ينوه الزوقري إلى أنه بالإمكان تخفيض التعرفة الكهربائية، لكنه في حال انخفاض سعر الديزل وتوفيره بصورة دائمة.

الحل بيد الدولة

ويرى الصحفي وفيق صالح، أن الحلول والمعالجات لهذه المشكلة التي أرهقت المواطنين، يتطلب تحرك جدي من قبل الحكومة والسلطة المحلية لإصلاح محطات الكهرباء الحكومية وإعادة التيار العمومي للمدينة وتقديم الخدمة للمواطنين والسكان بسعر مقبول ومتوازن دون أن يكون هناك إجحاف بحق المواطنين، كما هو حاصل حاليا من قبل ملاك المحطات التجارية، الذين تحولوا إلى شبكة نفوذ منظمة تتوسع وتنمو على حساب معاناة المواطن والمتاجرة بالأزمات الحاصلة في الوضع الراهن.

ويضيف صالح، أنه يجب على الحكومة ووزارة الكهرباء والسلطة المحلية تفعيل المحطات الحكومية ومنها محطة عصيفرة وإصلاح كافة الأعطال التي أصابت المحطة والخطوط الخارجية والداخلية للشبكة، وتوفير الوقود اللازم، وتقديمها بالسعر المقبول، فالأمر يتطلب جدية واهتمام من قبل الجهات الرسمية في إعادة تقديم الخدمات الأساسية، والتي من المفترض أنها تكون من البديهيات ولا تتحول إلى حلم بعيد المنال كما هو عليه الوضع الآن.

عقود باطلة

ويعتبر حقوقيون إبرام عقود تأجير الشبكة العامة الوطنية للشركات الخاصة بالمحافظة، عقودا باطلة بطلان مطلق، كما أن هذه القضية مثلت أكبر جدل في التاريخ حول بطلانها وقانونيتها. ويقول الحقوقي عمر الحميري لـ"المدنية أونلاين"، أن المؤسسة العامة للكهرباء هي فروع، والمؤسسة هي كيان قانوني مستقل تخضع لقانون الكهرباء، أما وزارة الكهرباء هي صاحبة الإختصاصات لتأجير ومنح عقود إستثمار للطاقة، ولذلك فإن الفروع لا يحق لها إبرام عقود مع الشركات الخاصة وتأجير الشبكة العامة وتمكين أي جهة من الإستثمار في المناطق المغطاة من الشبكة العامة.

ويضيف الحميري أن "الوزير يحق له إبرام هذه العقود بحجة واقع الحرب التي تعيشها المحافظة، لكن الوزير  أو الدولة ملزمة بوضع لائحة خاصة بأسعار الكيلو وتحديد التعرفة، لإنها تعتبر خدمة سيادية والمجلس الأعلى للطاقة هو المختص لإصدار هذه اللائحة، ويوافق عليها الوزير وتكون ملحقة بالعقود ولا يحق للمستثمر تحديد سعر التعرفة بنفسه".

ويشير إلى عجز السلطة المحلية بالمحافظة عن تحديد التعرفة، والسبب هذه العقود المبرمة والتي خولت الشركات الخاصة بتحديد التعرفة، ولذلك نؤكد بأن العقد باطل واستغلال للموارد العامة للكهرباء بشكل غير قانوني.

ويؤكد الحقوق الحميري، أن هذه من القضايا التي رفعت من جهة المركزي للرقابة والمحاسبة وصدرت فيها تقارير من مكتب الشؤون القانونية، وأن الموضوع يمثل استغلال للمال العام والحصول على مكاسب شخصية، والمفترض أن المدير للمؤسسة العامة للكهرباء يقدم للمحاكمة، وإلى الآن لم يقدم هذا الملف بخصوص مخالفة الأوامر واستغلال للمال العام، ويعتبر استغلاله لصالحه الشخصي أو لصالح الغير، وبطلان العقود هو بطلان مطلق وليس بطلان نسبي لأنه مخالف للإختصاصات، كونه من إختصاص الوزير وليس هناك تفويض من الوزير للمدير، وتعتبر التعرفة في تعز هي الأغلى من بين محافظات الجمهورية حتى على مستوى العالم.

كما لفت إلى أن الكرة الآن في ملعب وزير الكهرباء والواجب على مدير العام لمؤسسة الكهرباء متابعة هذا الملف بجدية على إحدى أمرين؛ إما يتم تفعيل الكهرباء الحكومية وإلغاء هذه الشبكات، أو أن تقوم مؤسسة الكهرباء بمتابعة الوزير لإجبار الشركات لتوقيع عقود صحيحة بعدم العبث بشبكة الكهرباء، وتلحق لائحة تنظيمية تحدد سعر الكهرباء بناء على معايير. مضيفاً؛ إذا كان سعر الديزل يبلغ اللتر الواحد 500 تكون تعرفة الكهرباء سعر محدد وإذا كان ألف تكون سعر التعرفة سعر محدد، حتى يكون معياري وليس جزافا يحدده التاجر كيفما اراد.

ويفيد الحميري إلى أن هناك عقود إدارية يفترض أن تكون بين سلطة حكومية تتعامل بصفتها الدولة صاحبة السيادة، وتفرض أحيانا شروط تعسفية وبهذا الشكل أحيانا تكون مقبولة من قبل التاجر لأن الدولة من خلال هذه الشرط تريد تحفظ المصلحة العامة، فالدولة تمنح نفسها في هذه العقود أنها تلغي العقد في أي وقت وتكتب في هذه العقود، وأن على التاجر أن يلتزم بهذه التعرفة التي تحددها وزارة الكهرباء وتلزم التاجر بوضع ضمانات كافية بتعويض المستهلكين إذا حدث مبالغة أو أعطال في الأجهزة المنزلية حال وجود مشكلة من الشركة الخاصة.

وفي مناطق الريف، يقول الحميري، أحيانا كانت الدولة تغطي المنطقة بنفسها، واحيانا تعمل عقود بشروط تضع فيها المعايير والضوابط المؤسسة العامة نفسها. ويشير إلى أن هناك ألف علامة استفهام بحسب المواطنين، حول توقف الكهرباء الحكومي عن العمل، وماهي مبررات توقفها في حال أنها مؤجرة بالكامل للشركات الخاصة التي شكلت عبئ على المواطن من ناحية تحديدها لأسعار الكيلو الواحد للكهرباء.

أسباب توقف الكهرباء الحكومي

فأسباب توقف الكهرباء الحكومي أو كما يقال عدم جهوزيتها، يقول المهندس أحمد حسن رئيس القسم الفني بالمؤسسة، أن هناك سببين رئيسيين لتوقف الكهرباء الحكومي عن العمل، فالسبب الأول أن مدينة تعز تتغذى من الكهرباء الوطنية وتدخل هذه الكهرباء عن طريق مصدرين أساسيين، أولهم محطات التحويل المتواجدة في الحوبان، والثاني من محطات التحويل المتواجدة أسفل سوق عصيفرة، وجميع مصادر إمداد الطاقة الكهربائية الوطنية لمدينة تعز بخطوط حرب ومنتهية تماما بسبب الحرب.

وأما السبب الثاني، يقول المهندس أحمد حسن لـ"المدنية أونلاين"، أن هناك من قام بالعبث بالبنية التحتية للكهرباء داخل مدينة تعز، وسرقة جميع لوحات التوزيع الرئيسية، كما أن جميع المحولات داخل مدينة تعز مسروقة، وجميع الكيبلات النحاس المتواجدة تحت الأرض والتي تعتبر هي الأساس بتغذية الشبكة الداخلية مسروقة ومنهوبة، حتى مبنى المؤسسة منهوب. أما عن محطة توليد عصيفرة، فهي متوقفة عن العمل منذ قبل أحداث 2011م بخمس سنوات بسبب عطل مكانيكي.

الأمل الوحيد

ومع هذه المعاناة، إلا أن هناك آمال في تشغيل الكهرباء الوطنية، حيث يؤكد رئيس القسم الفني بالمؤسسة، عن وجود أمل واحد لتشغيل الكهرباء الحكومي عبر إثنين مولدات من أصل عشرة مولدات متواجدين داخل محطة عصيفرة تتبع شركة جرايكوا، وبقدرة 8 ميجا، وهي مولدات جديدة ونظيفة وتحتاج إلى صيانة بسيطة ومفاقدة الزيوت، وتحتاج أيضا إلى مادة الديزل. 

ويشير إلى أن هناك كادر هندسي بقيادته وقيادة المهندس منصور القباطي، ونستطيع تشغيل المدينة كامل بغضون أيام قليلة، عبر المولدات المتواجدة داخل عصيفرة، لكن وللأسف هناك من يختلق آلاف الأعذار والأسباب الوهمية لتوقف العمل والتوليد، كما أن هناك أيادي منتفهة تنتظر أن تقبض آلاف الدولارات من جهات مقابل بقاء المحطة معطل وخارج الجاهزية.

ويوضح المهندس أحمد حسن، أن الهدف من إبرام عقود التأجير للشركات الخاصة كان من أجل أن تأخذ المحطات الحكومية وقتها الكافي من أجل الإصلاح، ومن ثم يستأنف التشغيل مرة أخرى، لكن للأسف حصل العكس تماما وغير ماهو متوقع، إضافة إلى بؤر الفساد المنتشرة في المؤسسة والتي تقف حجر عثرة أمام إستكمال تجهيز المولدات حتى تكون صالحة للعمل والتوليد.

ويعزف الكثير من مواطني تعز عن استخدام الكهرباء التجاري والتي أصبحت حكرا على الميسورين فقط، حيث تخطى سعر التعرفة مبلغ الـ 600 ريال للكيلو الوات الواحد، وهذا بحد ذاته ابتزاز واستغلال واضح للمواطنين من قبل الشركة الخاصة.

وتستمر هذه التجاوزات دون وضع حد لمرتكبها من قبل المؤسسة العامة للكهرباء، كما أنها لم تضع أيضا معايير تحدد السعر الذي يتناسب مع وضع المواطن، خصوصاً في هذه المرحلة الحرجة وانهيار الوضع الاقتصادي والمعيشي في البلاد.