الديلمي.. ’’المُفترى عليه‘‘ يتورى عن الأنظار لكن هذه المرة إلى الأبد ’’بروفايل‘‘

المدنية أونلاين/عمر محمد حسن/خاص:

مذّ أمعن والده النظر إليه في العام 1938م؛ استبشر خيرًا بمولده؛ كان ذلك إلهامًا لا نبوءة الفنجان, فأخذ الأب يُحملق إلى صغيره وهو يكبر كالسنديان؛ ترعرع الطفل ’’عبدالوهاب‘‘ في كنف والده بمحافظة ذمار‘‘ التي يتقاسمها البرد والمطر.

فارقته ولدته بعد أن ارضعته حولين كاملين؛ كان الفطام هذه المرة إلى الأبد بعد وفاتها؛ فأولاه أبوه ’’لطف بن زيد الديلمي‘‘ اهتمامًا كبيرًا وكان له أمًا وابًا؛ فبدأ في تعليمه وشجعه على ذلك وعلى يديه وعلماء أخرين بدت رحلته مع العلم.

كما أن ترك البيت والتواري عن الأسرة قاسٍ لكن ’’الديلمي‘‘ الاب كان حريصًا كل الحرص على أن ينتقل ’’عبدالوهاب‘‘ إلى صنعاء للإلمام بأصول الفقه والنحو والبلاغة والمتون وغيرها؛ حيث التحق بـ‘‘دار العلوم’’ واستمر كذلك إلى أن دقت أجراس الخلاص من سطوة ’’الكهنوت‘‘ حينها في العام 1962م.

دلف التلميذ ’’عبدالوهاب‘‘ سيره لكن هذه المرة إلى ’’مصر‘‘ كان ذلك في العام 1963م _اي_ بعد ثورة 26 سبتمبر بعام واحد؛ حين ابتعثته الحركة الإسلامية للدراسة في الأزهر حيث أنهى الطالب ’’عبدالوهاب‘‘ تعليمه الثانوي هناك ليشد أمتعة السفر صوب القبلة وسار شطرها ليستقر به المقام في المملكة العربية السعودية.

شغل ’’عبدالوهاب‘‘ فور استقراره في المملكة العربية السعودية معلمًا في بعض المدارس الأهلية زهاء الثلاث سنوات, وحصل على درجة ’’الليسانس‘‘ فور انتهاءه من الدراسة في كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وذلك في العام 1973م.

وعلى سراط الأيام, واصل الطالب ممشاه على طريقه المُقدس, حيث حصل على درجة ’’الماجستير‘‘ من جامعة أم القرى بمكة المكرمة _جامعة الملك عبدالعزيز_ حينها وذلك في العام 1978م ليواصل تعليمه ودراسته العليا ليحوز على الدكتوراه بتقدير ممتاز عن رسالته الموسومة بــ ’’معالم الدعوة في قصص القرآن الكريم‘‘ من جامعة محمد بن سعود الإسلامية  بالرياض في العام 1984م.  

ترد في الترقيات العلمية بعد الانتهاء من الكلية في السعودية وحاز على درجة أستاذ مشارك من جامعة صنعاء في 1994م وأستاذ من جامعة الإيمان في 2000م وأستاذ أيضًا من جامعة صنعاء في 2010م؛ وشغل الرجل عضو مجلس النواب بين الفترة 1986-1993م ووزير للعدل 1994-1997م وعمل رئيس الدائرة القضائية والتعليمية لحزب الإصلاح وفي الرقابة الشرعية لعدد من البنوك الإسلامية. 

عمل الرجل, مدرسًا في جامعة الإيمان الذي أدارها لعشر سنوات, والعلوم والتكنولوجيا إلى جانب كونه عضو في الهيئة التدريسية في جامعة صنعاء –كلية الآداب- قسم الدراسات الإسلامية ’’التفسير وعلوم القرآن‘‘ وشغل أيضًا رئيس فرع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في الجمهورية اليمنية. 

كانت دراسته في مصر والسعودية القشة التي قسمت ظهر البعير, ولم تُخف معها بقايا الإمامة غضبها من سطوع نجم الرجل الذي ينحدر من بيئة ,,هاشمية‘‘ ورمته أحجار التهم بمن فيهم شقيقه ’’أحمد‘‘ الذي اتهمه بنقل التسنن (فكر السُنة) للعائلة الزيدية (المُتشيعة) وصدر بذلك كتابًا ’’الزيدية بين محب غالٍ ومبغض قالٍ‘‘ ليرد عليه ’’عبدالوهاب‘‘ على متن كتاب أسمه ’’جناية أدعيا الزيدية على الزيدية‘‘ فكونك ’’هاشميًا‘‘ أو ’’زيديًا‘‘ ليس بالضرورة أن تقف إلى جانب ’’الحوثي‘‘- بحسب أحدهم- فالكثير من ’’الهاشميين‘‘ و’’الزيديين‘‘ يقاتلون الفكر الكهنوتي إيمانًا منهم بعدالة معركة اليمنيين ضد المتمردين المدعومين من إيران.

كان قلم ’’الديلمي‘‘ عبدالوهاب حادً بقدر السيف فكتب كثيرًا في دحض افتراءات الفكر الدخيل إلى اليمن والثقافة العنصرية التي تنتقص من المسلم بدعوى أفضلية النسب من خلال الانحدار لآل البيت, ’’كيف لا يحارب عبدالوهاب الديلمي الفكر العنصري في اليمن _حد وصف أحدهم_ وهو الذي قرأ ملئًا عن ‘‘صهيب الرومي وسلمان الفارسي وبلال ابن رباح‘‘ فلا أفضلية في الإسلام إلى بالتقوى‘‘.

ما إن عاد إلى اليمن قادمًا من المملكة العربية السعودية؛ رمى حزب التجمع اليمني للإصلاح ثقته في الرجل وأسند إليه وزارة العدل إبان حكومة الائتلاف بين حزبي ’’الإصلاح والمؤتمر‘‘ 1994-1997م حيث كان أول قرار للرجل أن كسر المألوف وهدم ’’الفيتو‘‘ المتمثل باحتكار معهد القضاء والتي كانت حكرًا لفئة معينة.

سمح وزير العدل ’’الديلمي‘‘ لطلاب من جميع الجغرافيا اليمنية بالدراسة والقبول فأدخل ’’700‘‘ طالب وهي أول خطوة يتخذها مسؤول يمني منذ قرابة الثلاثة عقود تقريبًا _أي_ منذ اتفاقية 1970م بين الجمهوريين والملكيين, هذه الخطوة -بحسب متابعين لـ"المدنية أونلاين"- دفع الرجل معها ثمن هذا الموقف باهضًا ووجد الرجل نفسه في معركة شرسة مع الأمميين الذين ساقوا عليه التهم ونسجوا الكذب عليه حبالاً.

وإلى جانب كتاب ’’جناية أدعياء الزيدية على الزيدية‘‘ للرجل خمس عشر كتابًا وهي: ’’معالم الدعوة في قصص القرآن الكريم, العمل الجماعي محاسنه وجوانب النقص فيه, قضايا تهم المرأة المسلمة, ضوابط الفتوى في ضوء الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح, منهج العقيدة الإسلامية في ضوء الكتاب والسنة, الافتراق في العمل الإسلامي "أسبابه، وآثاره، وطريق الخلاص منه", العدل في ضوء الكتاب والسنة‘‘.

بالإضافة إلى كتبًا أخرين: ’’تفسير سورتي الأحزاب والنور, لمن الإتباع, أيها المزكي هل برئت ذمتك, جناية أدعياء الزيدية على الزيدية, عوامل نجاح العمل الخيري ,المجتمع بين معاول الهدم وعوامل البناء, مواقف حرجه في حياة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكيف تم التعامل معها, كيف يتحقق استخلاف الإنسان في الأرض‘‘.

ما إن اندلعت حرب صيف عام 1994م بين فصيلي الوحدة في اليمن, برزت إلى السطح ’’فتوى استباحة الجنوب‘‘ والتي نُسبت للديلمي, تلك الفتوى التي نشرتها صحيفة ’’الوثيقة‘‘ بأغسطس من العام 1995م _اي_ بعد الحرب بعام واحد, أنكرها الديلمي نفسه كما أنكرها علماء استشهدت الصحيفة بأراهم, تلك الصحيفة التي أصدرها صحفي يمني في الخارج حينها وذلك بتمويل الفكر العنصري الذي حاربه الرجل والرامي إلى شيطنة الديلمي والحزب الذي يقف خلفه بحسب مقربين من الرجل.

أنكر ’’الديلمي‘‘ ما نسب إليه؛ لكن مصالح الأطراف تقاطعت هذه المرة حتى أن نظام صالح نفسه وجد في الفتوى المزعومة ضالته, وذلك لصرف نظر الرأي العام حيال تحمله وزر الحرب والإيقاع بين حزب الإصلاح والاشتراكي, وشنت الإمامة وصالح حينها خاصة مع انفكاك عقد التحالف بين المؤتمر والإصلاح واتبعت الماكنة الإعلامية لرئيس الجمهورية حينها ’’علي عبدالله صالح‘‘ أسلوب ’’البروبوجندا‘‘ لشيطنة الرجل وحزبه واصطياد عشرة عصافير في حجر واحدة‘‘.

ما إن وقف الرجل بالصوت والصورة على إحدى الفضائيات اليمنية - قناة سهيل الفضائية- يدعوا من يتهمه بالمباهلة لكن لم يرد عليه أحد ومع أن صاحب الفرية يدرك بهتان ما افترى فيه على الرجل إلا أن ذلك يعد مادة دسمة لشيطنة الرجل والحزب الذي ينحدر منه, فالموجوعون كُثر من الرجل بحسب البعض.

ما إن سيطرت جماعة الحوثي على صنعاء في 21 سبتبمر من العام 2014م بالتعاون مع صالح وإيماء دولًا بعينها نكاية بالربيع العربي ولوأد حزب الإصلاح اليمني؛ بدأ العد التنازلي لكثير من اليمنيين فخرج الناس من صنعاء كما هو الحال ’’للديلمي‘‘ نفسه؛ استقر به المقام هذه المرة في ’’إسطنبول‘‘ لينخر المرض جسده حيث قاسم اليمن الحزين الألم, وتوفي في الشتات في 25 مايو من الشهر الفائت.

كانت حياة عامرة وربيع مطرز "بالدلب", بعد ’’83‘‘عامًا, غادر الرجل الحياة لكن هذه المرة إلى الأبد وهو أب لثلاث عشر من الأبناء, قدم أحدهم مهرًا لأرض الأفغان في أفغانستان, إبان الجهاد الأفغاني وقتئذ مع الاتحاد السوفيتي؛ مات الرجل إذن في المنفى كفلسطيني أخر يحلم بسكوت الرصاص في بلاد يراودها الأغراب عن نفسها وهو الذي عاش يتيمًا بلا أم ومات مشردًا بلا وطن.