مطر القلوب

المدنية أونلاين/يحيى الحمادي:

قِف لِلمَقَالِ فَمَا لِغَيرِكَ مِنبَرُ
أَو لِلمَقَامِ سِوَاكَ يا سِبتَمبَرُ
قِف لِلجَلَالِ فَمَا لِغَيرِكَ نَنحَنِي
بَعدَ الإِلهِ جَلَالَةً ونُوَقِّرُ
يا يَومَنَا الأَبَدِيَّ.. في الشَّهرِ الذي
خُلِقَت لِتُوْصِلَنا إِليهِ الأَشهُرُ
يا مَن أَعَدتَ إِلى السَّعيدةِ وَجهَها
وعلى اليَمَانِيِّينَ لُحتَ فَأَبصَرُوا
وأَقَمتَ لِلعَدلِ القِيامَةَ باعِثًا
مَن في القُبُورِ "تَقَطرَنُوا" وتَحَجَّرُوا
وكَسَرتَ قَرنَ الظُّلمِ حتى حارَ مِن
يَدِكَ المُبَارَكَةِ الزَّمانُ الأَبتَرُ
وأَمَتَّ _يَومَ وُلِدتَ_ عَهدَ أَئِمَّةٍ
والمَوتُ كالمِيلادِ لا يَتَكَرَّرُ
لَو قِيسَ عَهدُهُمُو بِعَهدِكَ بَعدَهُ
كُنتَ الجِنَانَ، وكان ما لا يُغفَرُ
***
يا أَكثَرَ الثوراتِ مَعرِفَةً بِما
يَشفِي الصُّدُورَ مِن الطُّغاةِ ويَثأَرُ
كالدِّينِ ثُرتَ على الضَّلالِ بِسِتَّةٍ
أَركَانُهُنَّ تَحَرُّرٌ وتَحَضُّرُ
لَولا العَقِيدةُ كُنتَ أَنتَ صَلاةَ مَن
حَمَلُوا الرُّؤوسَ على الأَكُفِّ وجَمهَرُوا
ومَضَوا بِعَزمِكَ ثائِرينَ كَأَنَّما
يَنهَى بِنَهيِهمُ القَضَاءُ ويَأمُرُ
دُفَعٌ مِن السِّوَرِ الطِّوَالِ يَؤُمُّهُم
وَطَنٌ بِكُلِّ دَمٍ هَوَاهُ مُعَسكِرُ
يَتَدَافَعُونَ.. ولِلخُطُورَةِ حَولَهُم
شُهُبٌ مُذَنَّبَةٌ، ورِيحٌ صَرصَرُ
ويُعانِقُون المَوتَ دون تَحيةٍ
إِن الهُرُوبَِ مِن الخُطُورَةِ أَخطَرُ
عَجِبَ المُحَالُ لهُم، فَسَارَ وَرَاءَهُم
قَلِقًا.. يُقَدِّمُ خُطوَةً ويُؤخِّرُ
وتَلَاقَتِ الفِئَتانِ.. هذا ظالِمٌ
صَلِفٌ، وهذا ثائِرٌ ومُثَوِّرُ
لا صَوتَ _يَومَ الثَّأرِ_ يَعلُو صَوتَ مَن
صَدَأُ القُيُودِ على يَدَيهِ مُزَمجِرُ
يَرنُو الطُّغاةُ إِليهِ، وهو إِلى غَدٍ
يَرنُو بِهِمَّةِ قادَرٍ لا يُقهَرُ
دَمُهُ يَحِنُّ إِلى التُّرَابِ، ورُوحُهُ
سُحُبٌ يَطِيرُ بِهِنَّ شَوقٌ أَكبَرُ
ماذا على المَظلُومِ حِين يَجِفُّ مِن
طُولِ البُكَاءِ أَمَامَ مَن لا يَشعُرُ؟!
ماذا عليهِ سِوَى انتِفاضٍ غاضِبٍ
يَلْوِي ذِرَاعَي آكِلِيهِ ويَنحَرُ
***
يا أَيُّها القَدَرُ الذي انبَعَثَت بِهِ
صَنعاءُ واتَّحَدَ السَّحُولُ ولَودَرُ
وهَوَى الظَّلامُ مُضَرَّجًا بِدَمائِهِ
وكَأَنَّ لِحيَتَهُ غُرابٌ أَحمَرُ 
وتَهَادَت البُشرى مُجَلجِلَةً: لَقَد
حَمَلَ الإِمامُ عَصَاهُ، والمُستَعمِرُ
أَنَّى لِمِثلِكَ أَن يَمُوتَ، بِصَرخَةٍ
أَو أَن يَنالَ سَنَاهُ ليلٌ أعوَرُ
أَنَّى لِمِثلِكَ أَن تُطالَ سَمَاؤُهُ
بِيَدٍ تَطُولُ مَعَ الرِّياحِ وتَقصُرُ!
ذَهَبَ الزَّمَانُ، وأَهلُهُ، وتَسَاقَطَت
كُلُّ العُرُوشِ، وأَنتَ حَيٌّ يُذكَرُ
اليَومَ نُدرِكُ كَم لِفَضلِكِ مِن يَدٍ
عِندَ البِلادِ، وكَم أَيَادٍ تُذخَرُ
اليَومَ نُنشِدُ خَاشِعِينَ.. ولِلأَسَى
في القَلبِ أُغنِيَةٌ تَئِنُّ وخِنجَرُ
لا عُذرَ نَحمِلُهُ إِلَيكَ، فَكُلُّنا
فِيما أَصَابَكَ مُذنِبٌ ومُقَصِّرُ
لكننا سَنُفِيقُ بَعدَ سُبَاتِنا
هِمَمًا يُخَامِرُهُنَّ ما لا يَخطُرُ
قَسَمًا بِرَبِّ تهامةٍ وعُدَينةٍ
إنا سَنُبعَثُ، والظلامُ سَيُقبَرُ
ولَسَوفَ يَرجِعُ لِلسَّعِيدَةِ وَجهُها
وعلى الغُبَارِ يُغِيرُ يَومٌ أَغبَرُ