أيوب طارش.. حب الوطن منبع الإبداع

المدنية أونلاين/محمد فائد البكري:

من الصعبِ الكتابة عن أيوب طارش فهو سيرةٌ شعبية، استعادها الناس كثيراً، وتداولوها بعنايةٍ واهتمامٍ؛ حتى لم يبقَ فيها ما يخفى.

وأيوب ببساطتِه وتلقائيتِه ظلَّ كتاباً مفتوحاً لكل محبيه، وعُشّاق فنه، وهو من فنانين قلائل نجحوا في كسب محبة الجمهور بالكلمة المضيئة والتعبير الفني، كما استطاعوا الحفاظ على تلك المحبة المتزايدة يوماً بيوم، وعاماً بعد عام. 

وعلى امتداد أربعين عاماً حرص أيوب طارش على أن يكون صوت اليمن الجمهوري في مختلف الظروف والأحداث، متسامياً بفنه فوق كل الاختلافات والتباينات السياسية، والتحيّزات الايديولوجية، ولسان حاله ما غنَّاه لكل يمني، من كلمات الشاعر الفضول عبد الله عبد الوهاب نعمان:
 املأوا الدنيا ابتساما

وارفعوا في الشمس هاما

واجعلوا القوة والقدرة في الأذرع الصلبة خيراً وسلاما

واحفظوا للعز فيكم ضوءه

واجعلوا وحدتكم عرشاً له

واحذروا أن تشهد الأيام في صفكم

تحت السماوات انقساما

وارفعوا أنفسكم فوق الضحى

أبداً عن كل سوءٍ تتسامى

بصوت أيوب طارش يصبحُ الفرقُ جلياً بين الأغنية السياسية والأغنية الوطنية في تاريخ الأغنية اليمنية؛ فهو لم يتبنَ أي أيديولوجيا، ولم يمارس أيَّ دعايةٍ لأي اتجاهٍ أو حزب أو تيارٍ سياسي على امتداد عمره الفني ولم يقبل المساومةَ على حرية الفن.

التزم أيوب موقفاً واضحاً من قضايا وطنه، منحازاً للشعب اليمني في عمومه، وغنَّى مئات الأغاني لتعميم حب الوطن وتنمية الشعور الجمعي بالهوية اليمنية، وظلت أغانيه بمضامينها الثورية وإيقاعاتها الحماسية ترفع الوعي الجمعي، وتحشدُ الجماهير اليمنية حول عددٍ من القضايا التي تهم الوطن والمواطن. 

مع صوت أيوب طارش رددَ كلُّ يمني:
بلادي بلادي بلاد اليمن

أحييك يا موطني مدى الزمن

ومع لحن أيوب هتف ويهتفُ طلبة المدارس كلَّ صباحٍ تحيةً للعلم بالنشيد الوطني الذي لحنَه وغنَّاه أيوب: 
رددي أيتها الدنيا نشيدي

ردديه وأعيدي وأعيدي

وامنحيه حللاً من ضوء عيدي

واذكري في فرحتي كل شهيدِ

ولا يخفى أن هذه الأغنية بمضامينها الوطنية العالية تُعدُّ وثيقةَ عهدِ كل مواطنٍ لوطنه وشعبه، وشهدائه، ودستوراً لكل يمني:
عشتُ إيماني وحبي أمميا

ومسيري فوق دربي عربيا

وسيبقى نبض قلبي يمنيا

لن ترى الدنيا على أرضي وصيا

دائماً كان صوت أيوب طارش في طليعة الأصوات التي نذرت نفسها للوطن، ودائما كان غناؤه بوصلة النضال، ودائماً كان يحضر في كل الأعياد الوطنية، والأحداث التاريخية المضيئة في ذاكرة اليمن المعاصر، مُغنياً للثورة والوحدة، وملاحم الدفاع عن الثورة، والجمهورية اليمنية. حتى ليصدق القول إن صوت أيوب هو نشيد الوطن، ونشيجه منذ عقود.

غنَّى من شعر علي بن علي صبرة، أغنية: "عودة السندباد" الشهيرة بمطلعها "انثري الشهب حولنا يا سماء"، وأرَّخ فيها لثورة 26 سبتمبر 1962م، ورددَ بنغم فريد الشجو: "
عاد أيلول كالصباح جديداً

سحقتْ في طريقه الظلماءُ

يبعثُ الروح في الوجود ويجري 

في دمانا كما يدب الشفاءُ

ينشرُ الحب والسلام ويبني

نِعْمَ بانٍ لنا ونِعْمَ البناءُ

وفي فلك سبتمبر عيد الثورة اليمنية، غنَّى من كلمات عثمان أبو ماهر "أنت يا أيلول فجري"، ومنها:  
يا وثوب الشعب في سبتمبرِ

اسقني عدلاً وغذي عُمري

بسلام الثائر المنتصرِ

ومن كلماتِ عبدالولي الحاج غنَّى: "سبتمبر الوضاح"، ومنها: 
أهلاً بعيد اليمن سبتمبر الوضاح يا خالداً كالزمن

نفديك بالأرواح، شدَّ الرحيلَ الحزن

وعمَّت الأفراح، من صعدة حتى عدن

لمَّا صباحك لاح، وغنَّى قمري تبن

والبلبل الصداح، من بعد طول الحزن

صنعاء مضتْ تجتاح، عهد الأسى والمِحن

والحاكم السفاح

وغنَّى من شعر عبدالله عبد الوهاب نعمان، أغنية: "هذه يومي" : 
هذه يومي أسيرُ في ضحاها

فالضحى أشرق منها واكتساها

ونسجنا شمسها ألويةً

تحتها سارت خطانا تتباهى

وأتى الخير إلى هامتنا

لاثِماً منَّا أنوفاً وجِباها

واستعار المجد من قاماتنا

قامةَ لم يعطِه طولاً سواها

وأغنية: "مواكب الزحف نحو المجد"، وأغنية: "سيدوم الخير في أرضي مقيما" وأغنية: "يا سموات بلادي باركينا".

وغنَّى لملحمة السبعين يوما، ملحمة الدفاع عن صنعاء عاصمة الجمهورية الوليدة بعد الثورة السبتمبرية:
نحن رفضٌ رافضٌ إنْ مسَّنا 

ظلمُ ظلاّم بعيداً أو قريبا 

كم رفضنا ولبسنا رفضنا 

حللاً حمراً وإصراراً عجيبا 

نحن رفضٌ أبداً لكننا 

نعشق الحق جليلاً ومهيبا

أربعينياتُنا فيها رَفَضْنا 

وضحى سبتمبرٍ فيه رَفَضْنا 

ومدى السبعين يوماً قد رفضْنا

وسنمضي رافضين

وللوحدة اليمنية قبل أن تصبحَ واقعاً، غنَّى من شعر الفضول وعثمان أبو ماهر. وظلَّ يشحذ عزيمة الجماهير لتحقيق الوحدة الوطنية، ويشحنها بمشاعر الوطن الواحد الموحد، وكانت أغنية: "لقاء الأحبة" من كلمات إبراهيم الحضراني أشهر أغانيه حينئذٍ، ففيها جعل الأمكنة اليمنية من أقصاها إلى أقصاها تحنُّ للقاء بعضها بعضا، وتتطلّع للوحدة التي تلم الشمل تحت سماء الراية الواحدة، وجعل رموز الأغنية اليمنية يلتقون على حدث الوحدة، مطلقا دندناته: 
عانقي يا جبال ريمة شماريخ شمسان

وانت يا وادي القرية تفسَّح ببيحان

والتقى الآنسي والمرشدي والقمندان

وحالما أصبحتْ الوحدة واقعاً في 22 مايو 1990م، كتبَ الشاعر أحمد لجابري ـ مُبتهجاً بالحدث ـ أغنية: "لمن كل هذي القناديل؟"، وهي الأغنية التي صارت بيان حال عيد الوحدة اليمنية.

وفاض الوجد بأيوب والتاعت فرحته فأرسل صوته إلى السحاب جياشاً بالحنين: "أيا وحدة الشعب حلم السنين، ويا قبلة الحب العاشقين، أعيدي لنا مجد أسلافنا، وشُدِّي النجوم وسيري بنا، ففي الحب نحيا ويحيا الوطن». وكلَّما عاد الصدى تساءل أيوب: "لمن، لمن؟" وجاء صوت الكورس مُردداً: "لأجل اليمن". 

ومهما كان الحديث عن غناء أيوب للوطن فإن استقصاءه يستوجب الأناة وإعادة النظر، فحب الوطن أحد أبرز ملامح تجربته الفنية؛ بل يكاد أن يكون مفتاح كل عوالمه الفنية.