من أدب الرحلات.. الشاعرة أمينة الصنهاجي في حقول الشاي السيرلانكي

المدنية أونلاين ـ متابعات خاصة :

لم تكن تلك الشجيرات القصيرة لتثير انتباهي ، لو لم يبادر  الدليل بقول : هذا شاي .
كانت دهشتي كبيرة ؛ كيف تكون هذه الشجيرات القصيرة الشديدة الخضرة هي مصدر كل تلك النشوة التي سببت إدمان الكثيرين على المشروب السحري ؟ كيف تنبت هكذا على جنبات هذا الشلال ، داخل غابة برية بلا أي تدخل أو رعاية ..؟ 
الشاي السيلاني ثروة وطنية لسيريلنكا ، و هو الأغلى و الأجود على صعيد العالم . حولته بريطانيا حين احتلالها للجزيرة إلى صناعة متكاملة و سوق مزدهرة تمثل دخلا عاليا للدولة . 
بعد أن كان مساحات برية تنبت بلا استئذان بين أحراش الغابات جنبا إلى جنب مع شجيرات البن و الفانيلا و جوز الطيب و غيرها .. تحولت سفوح شاسعة من جبال سريلنكا لحقول شاي خضراء مبهرة ..
تبدو النسوة بسلالهن البرتقالية كنحلات يجمعن الرحيق .. و كن فعلا يقطفن بتلات الشاي بمنتهى الاحترافية و الدقة و يعرفن من خلال درجات اللون الاخضر و تدرجاته و طول الورقة و سمكها الأجود و الأقل جودة  ..
تواصلت معهن عبر ابتسامات خجولة .. و انجليزية ركيكة من الجانبين .. لكن حجم الود و اللطف و السماحة التي كانت تنبع من وجوههن المتعبة تكسر كل الحواجز و تحيل التواصل المرتبك لحوار دافئ لطيف .
حرصت على قطف أوراق شاي طرية . جمعتها بكفي كأنني أحمل قطعا سحرية من كوكب غريب ، كنت أتحسسها فتجتاحني كل لحظات الانتشاء بكأس شاي ( على حقو و طريقو) .. لكني أجد مسافة الربط بين الحالين بعيدة و مربكة ...
حين جلسنا إلى " رضوان"  السريلنكي الذي يتحدث العربية بمصنع الشاي الوطني ، كنت كم يجلس إلى حكيم من عصر خلا سيحدثني عن تعاويذ سحرية مدهشة ؛ لكنه وضع أمامه فناجين شفافة لشايات بألوان مختلفة ..كان بارعا في تحديد أسماءها و الفرق بينها و أين ينتشر استهلاكها .. 
لكني سرعان ما اشتقت لحقول الشاي على الطبيعة .. فخرجت كي أمرر كفي فوق الشجيرات الخضراء القصيرة التي تضن برائحتها و ألوانها و نكهتها فلا تكشف عن سحرها إلا بعد سير طويل متقن و دقيق ..