قوات أميركية في الرياض.. المغزى والتوقيت

المدنية أونلاين ـ متابعات :

الدبلوماسية السعودية تعيش الآن مرحلة مختلفة وفاعلة وحاضرة على المسرح الدولي، وتستند إلى الواقعية السياسية عبر الوضوح والمباشرة، ما جعل رأيها يأخذ طريقه إلى كل مراكز صناعة القرار في العالم، الأمر الذي جعل السعودية رقما صعبا لا يمكن تجاوزه في صناعة القرارات المصيرية، ولاعباً أساسياً في الساحة الدولية. زخم تعيشه السعودية في الفترة الراهنة، وها هي اليوم تكشف للعالم جرائم وتجاوزات المشروع الفارسي التوسعي، وتترأس التحالف الداعم للشرعية في اليمن، وأنشأت تحالفا إسلاميا عسكريا خاصا بمكافحة الإرهاب، وشاركت في التحالف الدولي الخاص بالحرب على "داعش" في سورية والعراق. موافقة الملك سلمان على استضافة قوات أميركية وفي هذا التوقيت تحديدا تكشف عن رؤية زعيم سياسي مخضرم، خبير بخفايا تاريخ المنطقة، ومستوعب لمعادلاتها وتوازناتها، ومدرك لحساسية الجغرافيا وتعقيداتها. هذا القرار يهدف إلى تعزيز أمن واستقرار المنطقة، ويتضمن رسالة تحذير قوية لنظام طهران، وإبقاء الضغط عليها، ومنعها من زيادة جرعة التصعيد الذي تسببت في حدوثه، ويكرس انعزالية طهران مقابل موقف موحد للمجتمع الدولي.

 

وفي هذا السياق، تعيش العلاقات السعودية - الأميركية حيوية لافتة، مستندة على علاقات تاريخية واستراتيجية عبر عقود من الزمن، وفي الفترة الراهنة نجدها تنطلق من أرضية صلبة وراسخة من التفاهمات الواضحة. استضافة القوات الأميركية تعكس بالتأكيد حجم هذا التعاون المشترك، الذي يتضمن التزامات واتفاقيات ما بين البلدين، ويؤكد أهمية الدور السعودي ومحوريته إقليمياً وعالمياً، ما يدفع واشنطن إلى التعويل عليه في القيام بأدوار مفصلية في حماية الأمن والاستقرار.

 

نشهد سياسة أميركية جديدة، تستشعر حجم المخاطر والتحديات، والمهم لدينا هو استقرار المنطقة، وهذا بطبيعة الحال يخدم المصالح الأميركية، فتعاطي البيت الأبيض مع ملفات إيران من منظور شمولي وليس ذا توجه اختزالي هو المطلوب، وهو ما نراه اليوم.

 

الكل يتجنب الحرب، والمملكة أعلنتها صراحة أنها لا تريد حربا في المنطقة، ولكنها ستتخذ كل ما تراه مناسبا لحفظ أمنها وسلامة شعبها، بدليل أن طهران أثارت حفيظة العالم، فما تقوم به من ممارسات وأساليب في الخليج، فضلا عن تدخلاتها في شؤون دول الجوار، وزرع خلايا نائمة فيها، وتمويلها للإرهاب. طفح الكيل، ولم يعد بالإمكان ترك نظام طهران يعيث فسادا وتكبرا وإجراما، بالاستمرار في عملياته القذرة وممارساته المرفوضة قانونيا وإنسانيا. المثير للدهشة والشفقة في آن واحد هو اتجاه إيران إلى التصعيد والتأزيم، رغم معرفة الإيرانيين بالفوارق المهولة في قدرات التسلح التقليدية، بينهم وبين الجيش الأميركي. من يستمع إلى التصريحات الإيرانية هذه الأيام يصل إلى قناعة بأنهم يكابرون ويلعبون بالنار، والشعارات التي يرددونها أسلوب مخادع للاستهلاك الداخلي. لسنا في حاجة إلى الحديث عن توازن القوى العسكرية، وإلى أين ترجح الكفة، فالمسألة خارج المقارنة بكل تأكيد. تهديد إيران الكرتوني - على سبيل المثال - بإغلاق مضيق هرمز، الذي كررته عشرات المرات لم تصدق فيه ولا مرة واحدة، ما يؤكد عدم قدرتها. يبدو واضحا الآن أن أي محاولة عبثية وبائسة تقدم عليها إيران مستغلة أجواء التوتر في المنطقة، فإنها سيُرد عليها وعلى أذرعها الميليشياوية بالقوة اللازمة التي تردعها. خيارات طهران محدودة؛ إذ ليس بمقدورها مقاومة استراتيجية واشنطن وحلفائها، ناهيك عن عدم قدرتها عسكريا على المواجهة. المَخرج يكمن في الرضوخ لكل المطالب الأميركية والدولية العادلة فيما يخص برنامجها النووي أولا، ووقف تدخلاتها في شؤون الدول الأخرى وتمويل الإرهاب. أما إذا استمرت طهران في تعنتها، فإن العقوبات المشددة ستأخذ طريقها للتطبيق بشكل صارم، وستلحق بإيران كارثة اقتصادية؛ لأنها ستكون انهيارا اقتصاديا غير مسبوق، كما أن الحرب خيار مطروح على الطاولة، وإيران تدرك أنها الخاسر الأكبر فيما لو اندلعت.

 

الحديث عن ضربة عسكرية لإيران ليس دعابة، ولا ينتمي إلى أحلام الظهيرة، بدليل وصول معدات وحشود عسكرية أميركية، فهي لم تأتِ للسياحة بطبيعة الحال. ليس مهمًا القول إن ما يحدث الآن يدخل في حيز الردع والضغط على النظام، بقدر ما أن المهم أن تنفذ إيران كل ما هو مطلوب منها، وهذا يتطلب من قادة طهران تحكيم العقل أولا وأخيرا.