الدكتور عبدالحميد عبدالهادي .. وداعاً أيها الطبيب الإنسان!!

المدنية أونلاين_خاص

كان يأخذ حقيبته الطبية ويخرج من منزله في قرية "الجول" بوادي شعب ذاهباً الى قرية أخرى لمعاينة مريض عجز عن الوصول إليه.

تقرأ في سُحنة وجهه خُلق الطبيب الإنسان.

أما عيادته في مدينة طور الباحة فكانت قبلة المواطنين من المضاربة والشط والعارة ومناطق الصبيحة كافة عقب تخرجه من كلية الطب في مدينة خورمكسر عام ١٩٨٣م.

 

وفي فترة لاحقة بعد قيام الجمهورية اليمنية ،لاسيما منتصف عقد التسعينات من القرن الماضي،أصبحت عيادة الدكتور عبد الحميد عبد الهادي أشهر من نار على علم ،حيث كان يؤمها المواطنون من مناطق المديريات المجاورة كحيفان والقبيطة والمقاطرة.

 

لم يكن في طور الباحة غير عيادة أول طبيب تخرج للتو من جامعة عدن ،مفضلاً الإنتقال إلى منطقته حيث مسقط رأسه.

عُرف عن الفقيد الراحل تفوقه في دراسته منذ مرحلة الإبتدائية حتى إتمام الجامعة.

 

فقد التحق رحمه الله في سني عمره الأولى بالدراسة في المقاصير بجوار مسجد الفقيه يحي التاريخي.

وكان نعم التلميذ المجتهد والذكي الأريب .

فقد اجتاز الصفوف من ١_٤ من المرحلة الإبتدائية بتفوق في "المقاصير" الواقعة وسط قريته المترعة بالخضرة والجمال!

 

وهنا وقفة تأمل مصحوبة بغصة "الفراق" ..فقد كان الفاتح من محرم ١٤٤٠هـ ،يوم الفاجعة التي حلّت بأهالي المنطقة .

لقد رحل عن دنيانا الطبيب المخضرم عبد الحميد عبد الهادي الى دار البرزخ.

 

وكأن " القدر " الذي صار إليه يوحي أن "أبو رائد" قد أتم دوره في الخدمة من أجل الإنسان ،إذ هو اليوم البعيد "المفارق" رحمة الله عليه.

انتقل فتى قرية "الجول" الألمعي للدراسة في الصفين الخامس والسادس الى مدرسة "حُباشة" بقرية شعب مواصلاً تفوقه العلمي بحصوله على المراكز الأولى بين أقرانه تلاميذ المدرسة.

 

هذا الطبيب الذي كنا نرتاد عيادته في مركز طور الباحة هو هذا الفتى الأنيق الذي كان يغدو ويروح يحمل دفاتره نازلاً من داره بإتجاه محطة "الرهوة" قبل أن يشق طريقه مولياً وجهه نحو مدرسة "حُباشة" لطلب العلم.

 

كان الفقيد العزيز يتحلى بالخُلق الرفيع منذ صغره ،ولم نعهده وهو الطبيب رقم ١ في بلاد الصبيحة رد مريضاً أو عبس في وجه زائر وإن جيءَ اليه في وقت راحته أو خارج الدوام، بل عُرف عنه حُسن الإستقبال ولين الخطاب وإغاثة الملهوف!

 

أنتقل فتى قرية "شعب" المتميز للدراسة في الصفين السابع والثامن الى مدينة الحوطة المحروسة عاصمة محافظة لحج ،وهناك أكمل عامين دراسيين بمدرسة الفقيد المجعلي، حاملاً راية التفوق العلمي الى مدرسة الشعب بمدينة عدن، حيث درس الثانوية العامة وأتمها بمعدل ٨٥ ٪ وهو رقم عال يوم كان التعليم في "القمة" في زمن المدرسة الجميل!!

فقد كان نظام الدولة في الجنوب آنذاك يضع التعليم في سُلّم أولوياته.

 

عمل الدكتور عبد الحميد عبد الهادي عقب تخرجه من الثانوية في حقل التدريس لفترة وجيزة ،ونظراً لتفوقه في الدراسة ونبوغه العلمي دفعا به خاله محمود عبد المجيد رحمه الله وإبن عمه المهندس سعيد عبد الله محمد مدير عام المؤسسة العامة للمياه _أطال الله عمره_للإلتحاق بالدراسة في جامعة عدن ،حيث جلس لإمتحانات القبول في كلية الطب ،حقق خلالها درجات نجاح عالية، وبدأ مرحلة جديدة من التحصيل العلمي عام ١٩٧٦م، استمرت الى عام ١٩٨٣م، وهو عام تخرجه من كلية الطب بمدينة عدن بتقدير عام جيد جداً.

 

أنتقل عقب تخرجه مباشرة إلى مسقط رأسه في طور الباحة لخدمة المواطنين في هذه المديرية الكبيرة التي كانت تظم مراكز الشط والعارة والمضاربة ومركز طور الباحة " العاصمة" حيث كانت المنطقة تفتقد لكادر طبي جامعي.

 

ومنذ ذلك التاريخ صار إسم الدكتور عبد الحميد عبد الهادي حديث الناس في مناطق الصبيحة والمديريات المجاورة.

 

فقد تميز بحبه للناس ،وأهل بلدته الذين من أجلهم رفض عروض للعمل في المدن الرئيسية كالحوطة وعدن،كما أعتذر _رحمه الله_لجهات مسئولة في المحافظة عن قبوله منح دراسية لمواصلة الدراسة في الخارج، وآثر البقاء في منطقته التي عزف عنها أبناءها الخريجين من الطب ، بينما حصلوا الوظيفة بإسم طور الباحة!

 

مكث الدكتور عبد الحميد عبد الهادي حوالي ٣٤ سنة يقدم خدماته الطبية للمواطنين ، حصل خلالها على عدد من الشهادات التقديرية لتميزه المهني كطبيب مثالي.

 

كما تقلد الفقيد الراحل عدة مناصب منها مدير مستشفى طور الباحة بداية التسعينات ، ثم شغل منصب مدير مكتب الصحة بالمديرية الى عام ١٩٩٤، وكان يؤدي عمله كطبيب في خدمة المواطن رغم تقلده المسئول الأول في مكتب الصحة ولم يستغل المنصب من أجل ترك خدمة الناس .

كما عمل مستشاراً لمكتب الصحة بالمديرية.

 

ونظراً لحاجة الأهالي لخدماته أمضى ١٨ عاماً من فترة خدمته لم يقدم خلالها طلب إجازة.

ولد الدكتور عبد الحميد عبد الهادي في قرية شعب الأعلى عام ١٩٥٤م.

 

أنتقل الى جوار ربه بعد رحلة حافلة بالعطاء وخدمة الوطن في ١ محرم ١٤٤٠هـ عن عمر ناهز ٦٤عاماً.

 

وداعاً أيها الراحل العزيز..وداعاً أيها الطبيب الإنسان جعل الله الجنة مثواك،وعصم بالصبر قلوب أهلك وذويك وكل محبيك..

إنا لله وإنا اليه راجعون.