مالالا يوسف..عندما تغتال يد الشيطان باسم الرب!

ماجد يحي-تحليلات

محاولة اغتيال الطفلة الباكستانية مالالا يوسف زي.. حادثة هزت العالم من أقصاه إلى أقصاه، تؤكد - بما لا يدع مجالا للشك - بشاعة الإرهاب وقبح مقاصده التي لا تفرق بين رجل و امرأة و شيخ و طفل، الجميع سواسية أمام نيران البنادق والقنابل، والكل معرض للقتل والخطف والتعذيب، على يد جماعات ضالة تتحدث باسم الله، وتحسب نفسها وكيلًا عنه في عالمنا الزائل.

الظلاميون يثمنون المعارضة بالدم، لا يتفهمون الآخر، لا يعرفون الدفع بالتي هي أحسن، بل القتل والتخريب والعنف وسيلتهم الوحيدة لفرض كلمتهم على العالمين، دون الالتفات للقيم الإنسانية أو الروحية.

القصة بدأت مع طفلة تمتلك حسًا مرهفًا من الإبداع نما لديها وسط واقع مخيف عاشته تحت سطوة حركة طالبان باكستان، حينما كان إقليم «وادي سوات» راكعًا أمام جبروت رجالها، فقررت «مالالا يوسف» كتابة مذكراتها لتروي للعالم المآسي التي ترتكبها الحركة في حق النساء، حيث كان القرار الأول إغلاق مدارس الفتيات، ومنع تعليمهن، وتقييد حركتهن، و فرض زي معين لا يجوز ارتداء غيره، وإلا فالعقاب قد يصل إلى الموت.

المذكرات تداولتها أكبر وسائل الإعلام العالمية تأثيرًا وانتشارًا، وأصبحت «مالالا» حديث الباكستانيين، بعدما نشرت مذكراتها في عام 2009، عقب دحر الجيش فلول حركة طالبان في «وادي سوات»، وكرمت الدولة الطفلة الصغيرة، ومنحتها جائزة السلام الوطني، فالجرأة والشجاعة التي تلف كلماتها ألهمتا الملايين، وجعلت منها بطلة ترمز لنضال المرأة وكبريائها أمام حقارة التطرف وبشاعته.

جريمة «مالالا» - التي لا تغتفر - هي إعمالها العقل، وسعيها نحو رسم ملامح مستقبل أفضل لأبناء جيلها عبر نشر العلم والثقافة بين الفتيات اللاتي حُرمن من التعليم على يد الجهلة والظلاميين المتمسحين في ديننا الإسلامي الحنيف، أكثر الأديان السماوية دعوة لطلب العلم، والتفقه في أمور الدنيا لخدمة بني البشر، تلك الرؤية هي ما دفع الطفلة البريئة نحو طريقها مسلحة بالإيمان، فذات مرة سئلت عن ردة فعلها إذا هاجمت حركة طالبان مدرستها؟ فأصاب الصمت «مالالا» للحظات قليلة، ثم نطقت بلسانها: «سأريهم القرآن.. القرآن لم يقل إن الفتيات غير مسموح لهن بالذهاب إلى المدارس!».

إجابة الطفلة نسجت من وحي براءتها وسجيتها النقية، فهي لا تعرف أن كارهي الحياة لا يمكن أن يتفهموا معاني شريعتنا السمحة، فهم ضد الحياة نفسها بكل معانيها، يفسرون آيات ديننا حسب هواهم وأمزجتهم؛ لذا يرى المرء أضدادًا يقف عاجزًا أمام تفسيرها، فطالبان تعلن الحرب على المحتل الأمريكي في أفغانستان استنادًا إلى فريضة الجهاد التي عظم الله شأنها، وفي ذات الوقت تسفك دماء شعبها أنهارًا وتقتل النفس بغير نفس في تفجيرات غاشمة لا تفرق بين صديق وعدو، تدعي أنها تسعى إلى إعلاء كلمة الله عبر فرض شريعته، وهي تتاجر بالمخدرات وتعيث في الأرض فسادًا!.

«مالالا يوسف» دفعت من دمائها ثمنًا لتحرير الآخرين من عبودية طالبان التي استهدفت الفتاة البريئة أثناء عودتها من المدرسة الأسبوع الماضي، وأصابتها رصاصات الغدر هي وفتاتين أخرتين كانتا معها في الحافلة المدرسية، لكن العناية الإلهية تدخلت، واستطاع الأطباء انتزاع الرصاصات من رأسها ورقبتها، إلا أن حالتها لا تزال حرجة، فهي في غيبوبة قد لا تفيق منها.

الجريمة البشعة فجرت طاقات الغضب في باكستان وأفغانستان، وخرج الآلاف إلى الشوارع، ليعلنوا تضامنهم مع الروح الجميلة التي بثت في قلوبهم الشجاعة، فظهرت طالبان ضعيفة مكروهة، فيما خلدت «مالالا» اسمها بأحرف من ذهب، وأصبحت رمزًا للحرية ووحيًا للنضال لن ينضب أبدًا.

نقلاً عن شبكة رؤية الإعلامية