
هاجر نعمان.. أغنية يزيّنها غصنٌ من الريحان
عُرفت المغنية اليمنية الشابة هاجر نعمان بأداء الملالات التقليدية، في أولى خطواتها الغنائية منذ سنوات، إضافةً إلى أداء أعمال جيل أبرز مُغنّيَين في مدينة تعز؛ أيوب طارش وعبد الباسط عبسي، وذلك قبل أن تقدم أغانيها الخاصة مكتسبة لوناً له إرث وهوية ستعزّزها في مشوارها الذي ما زال في المبتدأ.
تؤكد تلك الهوية في أغنية "لتصل حبيبي" التي صدرت أخيراً، محقّقةً رواجاً لافتاً في أوساط اليمنيين. يأتي هذا الإصدار في سياق إعادة تعريف نعمان بنفسها بوصفها فنانةً تنتسب إلى جيلها مع الاحتفاظ باتصال مع الجذور التقليدية لغناءٍ يمني يمتاز بطابع تعزي. عموماً، تحضر هاجر نعمان ضمن جيل شاب يمني أفرزته السنوات الأخيرة، على غرار عُمر ياسين وأحمد سيف وإبراهيم فضل، وآخرين. وبصرف النظر عن التحديات التي تَفرض على هذا الجيل إنتاجات محدودة، فإن شيئاً من الزخم ينتج من خلال ظهور أصوات غنائية متعددة.
وبالعودة إلى فن المُلالة، فهو موروث غنائي تقليدي يعود إلى ريف الحجرية في مدينة تعز، ويمتاز بأسلوبه القريب إلى الموال المُبسط، فلا يتضمن تعقيداً في أداء العُرب.
على أنّ أغنية هاجر نعمان ليست امتداداً بأي حال للمُلالة، بقدر ما أنها تسمح لتأكيد النبع الذي تشكلت فيه حالة غنائية كانت المُلالة أحد مصادرها، أي بوصفها امتداداً لغناء محلي، اكتسب مع أيوب طارش زخماً وطنياً كبيراً، فأصبح غناء كل اليمنيين، وذلك الزخم ليس بالأمر الهيّن انتقاله بين الأجيال.
جاءت عناصر أغنية "لتصل حبيبي" على كل الأصعدة إشباعاً لهوية المغنية الشابة، ويمكن أن تكون علامة فارقة في مسيرتها، على الأقل خلال هذه السنوات المُبكرة منها؛ إذ سمحت لالتقاء عناصر تقليدية وعصرية في الشكل العام للأغنية. وهو سياق يتوافق مع شخصية نعمان الفنية، إذ تعمل على تكوين جسر بين تلك التقاليد وانتسابها إلى جيلها، أو ما يمكن أن نراه تأكيداً منها على اتخاذ ثوب عصري لا يتخلى عن كثير من الرموز المتصلة بهوية الغناء الذي تقدمه.
تضح ذلك في طريقة ظهورها في فيديو كليب الأغنية، فتضفي على نفسها تلك الهوية الثقافية المحلية من خلال الأزياء على سبيل المثال، لكن بما يسمح لهذه الهوية أن تتجاوز المحلية إلى نطاق أوسع خارج اليمن، أي أن هذا الحضور لم يكتفِ بعناصر لحنية وشعرية، فمثلاً تظهر واضعة المشقر فوق أذنها، وهو غصن صغير من الريحان. وللمشقر دلالة ترمز إلى مدينة تعز، إذ اعتادت النساء الريفيات هناك غرسَه على جانب رؤوسهنّ نوعاً من الزينة.
اللافت أن هاجر في هذه الصيغة المنتسبة لثقافة محلية تقليدية، تضفي حضوراً عصرياً، وهذا الترميز يتخذ أيضاً بعداً واضحاً في استخدام الوسيلة الحديثة المرتبطة بمضمون الأغنية؛ أي التلفون، إذ يُستخدم الجهاز ذو القرص الدوار الذي انقرض استخدامه حتى قبل انتشار الاتصالات اللاسلكية بزمن طويل.
وبصرف النظر عن استدعاء تلك الرموز الشكلية، يحضر هذا البُعد المتزاوج بين التقليدي والحديث في العناصر الموسيقية والشعرية، ويمكن ملاحظة ذلك للوهلة الأولى من خلال الدخول المفعم للمزمار التقليدي، بتيمبو سريع، تمهد له لمحة عصرية تستمر في مصاحبته.
يستمر هذا المزج في إيصال شخصية الجيل اليمني الجديد، عبر دمج العتيق بالحديث. وهذا يظهر في مطلع الكوبليه، فتصبح كل العلامات اللحنية التباساً دائماً بين ما هو تقليدي وحديث، ومن دون أن يُحدث هذا تشوهاً لهوية اللحن اليمني، ما يعني أن العمل يعبّر عن نضج.
ولا شك أن أداء هاجر نعمان كان قادراً على إيصال هذه الحالة، سواء في جزء الجواب من مطلع الأغنية، الذي تمنحه مسحة دلال في الأداء، أو في الحركة النشطة للحن المذهب، ما يعطي اللحن مساحة تباين في اعتدال الكوبليه وتوثب المذهب بنشاط، ما يُضفي حيويةً على الأغنية.
تصل حالة الدمج ذروتها بين عناصر محلية وأجنبية، بدخول الغيتار الكهربائي، وبأسلوب الروك، في ختام "الهيت"، مع عودة إلى صوت المزمار، وهكذا يُبنى اتصال بين التقليدي وعنصر موسيقي غربي ينتمي إلى موسيقى الروك.
كل تلك العناصر والرموز تسمح لنا بإلقاء الضوء على شخصية هاجر الغنائية. وبالمجمل، تبدو حلقة اتصال بين ثيمات قديمة وأخرى عصرية، وهذا التزاوج لم يُعِق حرصها على تأكيد شخصية تعبر عن بنات جيلها، أي تلك التعابير الموثقة بالدلال التي تشبه أصوات اليمنيات وأحلامهنّ المنسوجة بعنفوان الشباب.
الأغنية من كلمات الشاعر أحمد شرف المطري، وألحان أحمد الصباري، وهما من أبرز الشباب المعبرين عن موجة الأغنية الجديدة في اليمن. ولولادة الأغنية قصة بدأها حوار في صنعاء لتنتهي خارج اليمن بصوت هاجر نعمان، وذلك حسب ما قاله الملحن الصباري في تصريحات لـ"العربي الجديد"؛ إذ أوضح أنه في جلسة جمعته بالشاعر وآخرين، دار النقاش حول الأسباب التي حالت دون ظهور فنانين بين الأجيال الجديدة؛ إذ لم نعرف أصواتاً جديدة في الغناء التعزي بعد أيوب طارش وعبد الباسط عبسي، أبرز ممثلين لهذا الغناء، وذلك بخلاف الغناء الصنعاني، الذي ما زال يشهد استمرارية في ظهور أصوات جديدة وإصدارات غنائية متواصلة.
هكذا، بادر المطري بكتابة أغنية "لتصل حبيبي"، ولحّنها الصباري، واقترح عليهما صديق مشترك من الوسط الغنائي أن تؤدّيها هاجر نعمان. تمثّل الأغنية شكلاً من المباركة على عودة النشاط في بعض مراكز الغناء اليمني، بعد سنوات من التوقف.