عن كتاب (حنين مبعثر) للكاتب اليمني الشاب/ حميد الرقيمي

المدنية أونلاين/فؤاد مسعد:

صدر للكاتب اليمني الشاب حميد الرقيمي كتاب "حنين مبعثر"، عن دار عناوين بوكس للنشر،  وتضمن 38 نص، حمل كل نص عنوانا مستقلا، لكن ثمة  قاسم مشترك يجمعها ويظهر بين سطورها وكلماتها، إنه الحنين إلى الأم التي تحضر في كل نص، وهي المخاطبة في جميع الرسائل/النصوص، والحنين إلى الوطن.

يتحدث الكاتب والإعلامي في كتابه عن واقع بلده اليمن في ظل الحرب التي تدخل عامها السابع، يكتب عنها من موقعه كشاهد على أحداثها وهو الذي عايشها عن قرب، نحو  أربع سنوات قبل أن يغادر إلى الخارج، وحين يأتي للحديث  عن تداعيات الحرب وضحاياها من قتلى وجرحى ومهجرين ومشردين فهو لم يكن بعيدا عنها وعنهم.

في الكتاب الذي يتألف من 116 صفحة يبث الكاتب حنينه للأم بمعناها الخاص، والأم/الوطن، ويبوح بما يختلج في وجدانه من مشاعر الشوق بعد سنوات من الحرب والتشرد والخوف والمعاناة،  وهو حين يكتب قصته ويسرد يومياته، يكتب قصة بلاده الحزينة بلغة صاغها الأدب، ويرسم واقعها بريشته التي أبدعت 38 لوحة تشكيلية، موشاة بصدق التعبير وروعة السرد وشعرية اللغة.

من صباحات الريف الصافية وبدايات الطفولة الأولى تنساب كلمات الحنين عبيرا عابرا فوق المكان وعبر الزمن، منسوجة بحرير أحلام طفل لم يعش طفولته إلا لماما. ولم يقض في قريته من الوقت سوى النزر اليسير، إذ نشأ في المدينة وعاش فيها بينما روحه ظلت عالقة هناك في فضاء القرية.

وقدر للطموح الذي لازم الكاتب منذ صغره أن ينتزعه سريعا من بين أقرانه ومن أحضان الطفولة وألعابها، ليستقر في مجلس والده، منصتا لأحاديث الكبار وقضاياهم ومشاكلهم، ولم يكن والده، يحول بينه وبين ما يهوى، وهو الشاعر المسكون بقضايا مجتمعه وأمته، بل كان يرى في صغيره مبدعا مميزا، جديرا بمجالس الكبار، وكان يقدمه لأصدقائه قائلا: هذا الدكتور حميد، هذا (الإرياني)، حتى صاروا ينادونه بالإرياني، (إشارة إلى الدكتور عبدالكريم الإرياني، أحد أبرز السياسيين في اليمن، ترأس عدة حكومات في العقدين الأخيرين من القرن العشرين، وعرف بحنكته السياسية وخبراته الإدارية والاقتصادية، وتولى منصب المستشار السياسي لرئيس الجمهورية حتى وفاته في العام 2015).

حميد ابن الخامسة والعشرين عاما،  يكتب مثل خمسيني، محملا بهموم جيله والأجيال القادمة، عن أوجاع اليمن الممتدة بين الماضي والحاضر والمستقبل، وعن ذلك يقول: "قدري وهذا الجيل الذي كتب عليه مواجهة الموت بالموت، على جبال المعارك المشتعلة، وفي ضياع الصحارى الواسعة، على ضفاف البحار التي تلتهم الغرباء بدون رحمة، وهذه المنافي التي لا تطيق خطواتنا عليها".

إن هذا الجيل، جيل حميد، يدفع ثمن غفلة الأجيال التي نامت في العسل، وهربت من الواقع، كما يقول الناقد اليمني الدكتور فيصل علي، معلقا على كتاب حميد الذي يرى أنه اختزل الأسى والتيه والخوف والهجرة والتشرد ومفردات حزينة كثيرة، اختزلها في كلمتين خفيفتين على اللسان ثقيلتين على الوجدان: حنين، مبعثر.

لكنه حين يتحدث عن الألم يستدعي الأمل، وحين يكتب عن الأسى والمأساة يرفض الوقوع في دائرة اليأس، "فلا يزال هناك متسع يستحق الحياة، يستحق البقاء، يستحق الكفاح والنضال الطويل".