مجموعة العشرين بقيادة السعودية.. شجاعة التصدي لأزمة اقتصادات الدول الفقيرة

المدنية أونلاين/صحف:

عند الحديث عن وباء كورونا والتداعيات السلبية الخطيرة التي أحاقت بالنظام الاقتصادي العالمي جراء تفشي الفيروس، فإن التعليقات والتفكير والنقاشات تنصب في الأغلب على الخسائر التي مني بها الاقتصاد العالمي وتحديدا الرئيسة في العالم.

قد يكون في هذا التفكير كثيرا من المنطقية والعقلانية، فالاقتصادات الكبرى تقود الاقتصاد العالمي، وإصابتها بالضرر وإلحاق الخسائر بها سينعكس على الجميع لا شك في ذلك.

لكن هذا المنطق لا يجب أن يحول دون البحث في تأثير الوباء في أفقر الاقتصادات في العالم، إذ يبدو تأثير الجائحة فيها مضاعفا لعديد من الأسباب، وبطريقة قد تسفر عن انهيار اقتصادي كلي لها.

فتلك الاقتصادات لديها ظروف معيشية صعبة للغاية، وقدرة رعاية صحية غير كافية في أفضل تقدير، واقتصاداتها يصعب عليها الحياة أو البقاء في الظروف الطبيعية دون مساندة ودعم الدول الأكثر ثراء، ومع تقلص هذا الدعم، بل وإمكانية غيابه جراء التراجع الاقتصادي في الدول المتطورة، فإن قدرة الاقتصادات الأكثر فقرا على كوكبنا في البقاء قد باتت محل تساؤل مشروع.

وبغض النظر عما إذا كانت موجه ثانية من الوباء ستضرب المجتمع الدولي أم لا، فإن الضرر الاقتصادي قد حدث، حيث تشير بعض الدراسات إلى أن اقتصاد مجموعة الدول الأكثر تقدما في العالم، لن يعود إلى المستوى الذي كان عليه في الربع الأخير من عام 2019 - أي قبل تفشي الفيروس عالميا وتحوله إلى وباء - قبل عامين من الآن.

كما تشير التقديرات الأولية إلى أن برنامج المساعدات العالمي سيخسر نحو 12 مليار دولار، أي ما يوازي قيام دولة مثل فرنسا بإيقاف تام لبرنامج مساعداتها الخارجية، وفي حال تفشي موجة ثانية من الوباء فإنه سيضاف إلى خسائر برنامج المساعدات العالمي 15 مليار دولار أخرى، ما يعني تراجع إجمالي برامج المساعدات العالمية بنحو 27 مليار دولار، أي ما يوازي توقف برنامج مساعدات الاتحاد الأوروبي بالكامل.

جوهر المشكلة بالنسبة للدول الأكثر فقرا، يتمثل في أن أغلب مواطنيها يعتمدون على الاقتصاد المحلي للبقاء على قيد الحياة، وإذ لم يعملوا فلن يحصلوا على دخل، ومع غياب شبكات ضمان اجتماعي حقيقية، وانعدام قدرة الحكومات على توفيرها بشكل فعال وجاد، فإن الخيارات المتاحة أمام المواطنين تكون ضئيلة للغاية، ما يعزز السلوك الاجتماعي غير المستجيب للتوجيهات الرسمية الضرورية لمواجهة الوباء والحد من انتشاره، ما يعمق مشكلة تلك الدول ويزيد من مأساتها.

وسط هذا الوضع المزري للاقتصادات الفقيرة نتيجة وباء كورونا، فإن الدور الذي قامت به مجموعة العشرين في دورتها الراهنة تحت رئاسة السعودية، عد من وجهة نظر الخبراء نموذجا يحتذى به للمنظمات والمؤسسات الدولية، في كيفية مد يد العون بطريقة حقيقية لإنقاذ الاقتصادات الفقيرة.

يقول لجريدة «الاقتصادية» الدكتور جون فيليب الخبير الاقتصادي، "الدور الذي قامت به مجموعة العشرين مثل علامة فارقة في كيفية الحيلولة دون مزيد من تدهور الأوضاع الاقتصادية في الدول الفقيرة، أو على الأقل تزويدها ببعض الطاقة الاقتصادية لتمكنها من مواجهة الأوضاع المتعثرة".

ويضيف، "على سبيل المثال الدول التي تقدم أكبر قدر من الأموال إلى إفريقيا هي الولايات المتحدة الأمريكية، السعودية، فرنسا، والمملكة المتحدة، وحاليا في إفريقيا جنوب الصحراء واحد من كل خمسة أشخاص يعاني نقص التغذية بسبب الوباء، ومن المحتمل أن تنخفض الواردات الغذائية بمقدار الربع هذا العام. 60 في المائة من السنغاليين فقدوا دخولهم، وأكثر من ثلثهم يأكلون طعاما أقل، وهناك 30 دولة من الدول الأكثر فقرا تنفق على الدين العام أكثر ما تنفقه على خدمات الصحة العامة، فجامبيا مثلا تنفق تسعة أضعاف ميزانيتها الصحية على الديون".

يذكر الدكتور جون فيليب أن مجموعة العشرين أبرمت اتفاقا لتخفيف أعباء الديون، وعلى الرغم من أن الاتفاق يغطي الديون الثنائية، أي قروض من الحكومات الأخرى، فإنه يغطي في نهاية المطاف نصف إجمالي خدمة الدين لهذه الدول.

ورغم إشادة الخبراء بالنموذج الذي رسخته مجموعة العشرين تحت قيادة السعودية في التصدي بأسرع قدر ممكن للمشكلات التي أصابت الدول الأكثر فقرا جراء جائحة كورونا، إلا أن تلك التحركات بمفردها لن تكون كافية في إخراج تلك الدول من أزمتها، مشددين على ضرورة تضافر جهود المجتمع الدولي ومؤسساته المالية بشكل أكثر قوة لدعم تلك الدول الأقل نموا والحيلولة دون تعرضها لمزيد من الانهيار الاقتصادي.

يقول لـ«الاقتصادية» ستيفن آدم الباحث في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، "1.1 مليار شخص يعيشون في أقل الدول نموا في العالم. بمتوسط ناتج محلي إجمالي حقيقي للفرد يبلغ 922 دولارا أي ما يعادل 9 في المائة من المتوسط العالمي، وتلك الفئة من الدول الأكثر تضررا من التداعيات الاقتصادية لوباء كورونا، وموجه ثانية من الفيروس تعني كارثة حقيقية لهم بكل معنى الكلمة".

ويضيف "أبرز الأضرار التي أصابت تلك الاقتصادات الفقيرة الانخفاض الكبير والمرشح إلى أن يكون توقفا تاما في الاستثمارات الأجنبية، وتقلص القدرة الهشة أساسا للتصدير، وارتفاع معدلات البطالة، مع تفاقم أزمة الديون".

في الوقت الراهن ووفقا لتقديرات الأمم المتحدة فإن 18 دولة من أصل 47 من أفقر الدول التي حددتها المنظمة الدولية، في حالة ضائقة ديون أو معرضة بشدة لضائقة الديون، ومع التدهور في تيسير المساعدات الإنمائية الرسمية، فإن الأمم المتحدة تواصل الإعراب عن مخاوفها بشأن القدرة الإجمالية لأقل الدول نموا، على تحمل موجة ثانية من العدوى، وسط توقعات بعدم القدرة على تحمل سداد الديون.

لكن تردي الأوضاع في الاقتصادات الأشد فقرا لا يقف عند حدود أزمة العجز عن سداد الديون، بل يكمن في زيادة فقرها فقرا.

من جهتها، تؤكد لـ«الاقتصادية» الدكتورة جوزفين سبارك أستاذة الاقتصاد الدولي في جامعة جلاسكو، أن عدد الأشخاص الذين يعانون الفقر المدقع، أي أولئك الأشخاص الذين يكسبون أقل من 1.90 دولار في اليوم سيرتفع من 70 إلى 100 مليون شخص هذا العام بسبب فيروس كورونا، وباستخدام معايير أشمل، بما في ذلك أولئك الذين يفتقرون إلى المأوى الأساسي أو المياه النظيفة والأطفال الذين يعانون من الجوع، فإن صفوف الفقراء ستتضخم إلى ما يراوح بين 240 - 290 مليون شخص.

ويدفع هذا المشهد الذي ينبئ بتزايد الفقر في الدول الفقيرة، بعدد من الخبراء إلى حث الدول الأكثر ثراء على الإسراع باتخاذ خطوات عملية ملموسة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في الاقتصادات الهشة قبل فوات الأوان.

ويطالب الدكتور إس. آر. آلن الاستشاري السابق في الأمم المتحدة بما يشبه مشروع إنقاذ دولي لأكثر الاقتصادات فقرا في العالم. ويقول لـ«الاقتصادية»، إن "التكلفة الإجمالية طويلة الأجل لحماية أفقر 32 دولة تقدر بـ90 مليار دولار، أي أقل من 1 في المائة من تكلفة حزم التحفيز المختلفة في الاقتصادات الرأسمالية عالية التطور".

ويعتقد الدكتور ألن، أنه إذا لم تكن أفقر دول العالم محمية، فإن الأوضاع بها ستشهد مزيدا من التدهور إذا اجتاحت الموجة الثانية من الفيروس الدول المتقدمة وتحديدا أوروبا، نتيجة تقلص في التحويلات المالية للمهاجرين.

تشير البيانات الدولية إلى أن التحويلات المالية للمهاجرين تساوي خمسة أضعاف قيمة المساعدات الدولية، لكنها انخفضت 23 في المائة خلال الوباء. وهذا الانخفاض في التحويلات الجارية يساوي تقريبا 100 في المائة من المساعدات الخارجية.
*جريدة العرب الاقتصادية