تخوفًا من كورونا، مرضى ترفضهم المستشفيات!

المدنية أونلاين ـ احلام المقالح :

في بلاد أثخنتها الحرب مآسي منذ خمس سنوات، وزادها فيروس كورونا معاناة، يقف المواطن اليمني عاجزًا عن إنقاذ ما تبقى من رمق الحياة في احبائه الذين يزجهم المرض إلى طلب العون والعلاج في المستشفيات الحكومية والأهلية.

المستشفيات ترفض استقباله

الحاج طارق سيف (60 عامًا) عاد من مدينة صعده إلى منزله في صنعاء مصابًا بالكوليرا بعد عجز مستشفياتها من علاجه فقام ابنه بإسعافه إلى إحدى مستشفيات العاصمة واجراء الفحوصات اللازمة.

شُخصت الحالة بالتهاب حاد في الصدر جراء الجفاف الحاد، وبسبب هذا التشخيص رفضت كل مشافي صنعاء استقباله.

يتحدث ابنه محمد لـ “صوت إنسان” قائلًا: بسبب رفض المستشفيات لوالدي، نقلناه إلى مستشفى لحالات الاشتباه بكورونا واخذت منه عينه للفحص وأخبرنا الطبيب وقتها “والدكم لا يحمل أعراض كورونا، عودوا به للمنزل!”.

يأخذ نفس طويل ويواصل حديثه: حاولنا مجددًا نقله إلى مستشفى آخر للحصول على عناية مركزة لمواجهة حالة الجفاف ونقص السوائل لكن لا جدوى فأبواب كل المستشفيات أُغلقت في وجوهنا بسبب ورقة التشخيص.

لم يبقى للابن حيلة سوى العودة بأبيه إلى المنزل وتوفير الأدوية ومغذيات وجهاز تنفس صناعي بعد دخول والده بغيبوبة، وفي منتصف تلك الليلة استعاد الحاج طارق وعيه، ليظل ساعتين ومن ثم وفاته المنية.

بنبرة حزن وصوت مرتعش يقول محمد: اليمن تمتلئ بالأوبئة والتركيز كله على فيروس كورونا، يصمت لبرهه ثم يواصل: جاءت نتيجة فحوصات كورونا التي اجريناها لوالدي بعد يومين من وفاته وكانت سلبية لكن أبي مات بما هو أخطر من كورونا؟!”.

 سمحوا لها بالدخول بعد موتها

“ماتت وهي تنتظر الدخول فأدخلوها بعد موتها!”، هكذا بدأت لوين اسكندر حديثها عن والدتها ياسمين التي توفت أمام بوابة إحدى مستشفيات صنعاء.

تقول لوين لـ “صوت إنسان”: ” تعرضت والدتي خلال أيام العيد لآلام شديدة في الظهر ومنتصف البطن وقمتُ بمحاولات فاشلة للتخفيف عنها ظنا مني أنها نزلة برد، وانتظرت انتهاء اجازة العيد، وفي أول ايام الدوام ذهبت بها إلى المستشفى القريب منا، إلا أنه رفض استقبالها بحجة عدم وجود طبيب مناوب وجميعهم ممرضين.

تنقلت لوين بوالدتها بين أربعة مستشفيات حكومية وخاصة في صنعاء ودون فائدة، حتى وصلت إلى مستشفى “بادر موظفه بفحص أمي وهي في السيارة خوفًا من أن تكون مصابة بكورونا ولكنها لم تكن كذلك وهذا ما اثبتته أشعة الصدر الذي فرضها طبيب الطوارئ قبل دخول والدتي غرفة الطوارئ”.

زفرت لوين انفاسها بحرقة ثم اكملت: أخبرني الطبيب بأن والدتي تعاني من توقف كليتها اليسرى وضمور في الكلية اليمنى، وأنه لا طبيب مختص بأمراض الكلى سيتابعها فجميعهم في العناية المشددة بسبب اصابتهم بكورونا، وعليّ إلحاق والدتي بمستشفى آخر بعد أن كتب لها تقريرًا بخلوها من كورونا “.

عادت لوين بوالدتها إلى المنزل، فليس لها أن تفعل شيئًا، “غرقت بعجز لا يمكن وصفه سوى بالدموع فوالدتي مازالت تئن وتصرخ وكل الادوية لم تجدي ما اضطرني للخروج بها ليلًا، للبحث مرة أخرى عن مستشفى أو طبيب، وعند وصولنا إلى أحد المستشفيات البعيدة نصحني أحد الأطباء متعاطفا بالذهاب بها إلى مستشفى كان قد رفض استقبالها من قبل، وباتصال بسيط منه سيدخلونها”..

باكية وبصوت متشحرج تقول لوين: أمام باب ذلك المستشفى لفظت أمي أنفاسها الاخيرة وهي تنتظر أمر الدخول، حينها كنت ارقب الممرضين وهم يدخلونها على النقالة وهي جثة ولسان حالي يقول “أي بلاد هذه الذي لا تصل بها إلى الطبيب إلا ميتًا!”.

إجراءات وسياسات

مصدر طبي في إحدى المستشفيات الحكومية (رفض الافصاح عن اسمه) أوضح بأن الحالات التي رُفضت بسبب اشتباهها بكورونا والتي كان من الممكن تعريض الأطباء للخطر في حالة استقبالها في ظل انعدام وسائل العزل مثل البدلات والنظارات الواقية والكمامات n95.

وأكد عدم وجود التزام جاد ومصداقية من إدارة المستشفى لتأمين الكادر ودفع مبالغ بدل مخاطر لهم مما دفع بعض الأطباء إلى الخوف والقلق من التواجد المستمر في المستشفى.

من ناحيته يقول الطبيب بقسم العزل والعناية المركزة بالمستشفى الأوربي الخاص بصنعاء الدكتورعبدالله البشاري: المستشفى الأوربي يستقبل كل الحالات منذ تفشي كورونا في اليمن، ويكون ذلك ضمن بروتوكول خاص وموافقة خاصة واخلاء مسئولية للمستشفى والكادر، مشيرًا إلى المستشفى لديه تأمين للأطباء وصرف لهم ملابس وقاية واعتمد بدل مخاطر كإجراءات تضمن للطبيب أن يقوم بواجبه على أكمل وجه.

يتابع البشاري حديثه لـ “صوت إنسان”: غالبًا ما يتم الرفض بسبب سياسة المستشفى التي ترفض الحالات المرسلة من أي مستشفى اخر لتجنب الدخول في سين وجيم ومساءلة خاصة مع وجود التنافس غير الشريف بين المستشفيات.