القرابين المحروقة للحركة الحوثية

لا يحتاج المرء لكثير من ذكاء ليكتشف ان المطالب الثلاثة للحركة الحونية : إلغاء الجرعة، اقالة الحكومة وتنفيذ مخرجات الحوار ليست أكثر من (حصان طروادة) تتوسله لتحقيق مرامي أخرى تضمن لها مزيد من التوسع الجغرافي كغاية قصوى  للحركة الفتية التي كانت قبل اعوام قلائل محاصرة في الكهوف الجبلية لـ (مران وضحيان )، فيما هي تحوز الآن على محافظات بأكملها.


وفي الشهور المبكرة للعام 2011م حينما انشغلت عديد قوى سياسية بإسقاط النظام.. خرجت الحركة من كهوف مران وضحيان بمحافظة صعدة، لتستولي على كافة مديريات المحافظة، ولتتبعها بمديريات أخرى من محافظتي حجة والجوف المجاورتين، وبعد دخولها مدينة عمران، منتصف العام الحالي 2014 ازداد قادتها غرورا وحماسة، وبدا كأنها تعيش ربيع أيامها، ما جعل مركز الدولة في مرامي مطامحها الفائقة.. غير ان عاصمة الدولة ليست كأي مديرية نائمة في تخوم الصحراء أو على ذرى الجبال البعيدة.. فهي تحتاج لمبررات منطقية، تتجاوز ما حاولت تسويقه عن طريق بعض أنصارها من أن الحوثيين قادمون إلى صنعاء فقط لتنفيذ قرار رئيس الجمهورية في انتزاع مقر معسكر القرفة الأولى مدرع سابقا من سيطرة اللواء علي محسن وتحويله إلى حديقة للأطفال.. في توازي مع تصريح إعلامي لأحد سياسيي الحركة، عندما قال  ملمحا إلى خصمهم اللدود ( حزب الإصلاح ): تمسكوا  بأولاد الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر فسقطت خمر، وتمسكوا بمحافظ عمران والعميد القشيبي فسقطت عمران ولأنهم سيتمسكون بعلي محسن ستسقط صنعاء ... وفيما كان يتحدث باستطراد ـ وبراءة الأطفال في عينيه ـ كان يحاول التعمية على حقيقة ان إقالة محافظ  محافظة عمران لم يمنع الحركة من دخولها، ولم يسفر استشهاد العميد القشيبي قائد اللواء 310 المرابط فيها عن انسحابهم منها وتسليمها للدولة .. ما يقدح مباشرة في مصداقية الحركة التي استمرأت توسل ذرائع ممجوجة لحصار العاصمة والسعي لبث الفوضى فيها، في وقت لم تفلح مضامين مبادرة اللجنة الوطنية الرئاسية في تخفيض أسعار المشتقات النفطية وإقالة الحكومة وإحلال أخرى بديلة لتنفيذ مخرجات الحوار بمشاركة كافة الفعاليات السياسية بما فيهم  الحوثيين والحراك الجنوبي... في تجنيب العاصمة والوطن مآلات مأساوية مرتقبة طالما استمر رفض الحوثيين للمبادرات السياسية.. بما يشي بدلالات قاطعة أن مطالبها لا تعدو ان تكون قرابين تحرقها في سبيل الوصول إلى مطامحها التوسعية بقوة السلاح وبعيدا عن الأطر السياسية السلمية .. إذ أن التباكي على الشعب الكادح، يناقضه حقيقة ان السيد الحوثي نفسه يمتلك مولدات كهربائية يبيع الوحدة منها لسكان صعدة بمائتي ريال، وهو اضعاف السعر الرسمي للدولة، والمعلومة موثوقة، ولم يستطع ذلك الاعلامي والسياسي الحوثي إنكارها في حوار تلفزيوني آخر، بل  أكد أن هذه أسعار القطاع الخاص، وإن لم يذكر من يملك القطاع الخاص.. لتستمر حالة التعمية على الشعب بمطالب وذرائع تناهضها التوجهات المعاكسة للحركة، فتنفيذ مخرجات الحوار، الذي لا تنفك الحركة عن المطالبة به يقابله دعوات مضادة من أنصارها عبر وسائل الإعلام بضرورة تعديل الأقاليم، التي نصت عليها مخرجات الحوار الوطني.. وتتمظهر ثالثة الأثافي في الدعوة لإقالة الحكومة.. وهي دعوة محاطة بضبابية كثيفة، لا تستبين بسببها نوعية الحكومة التي يريدونها: حكومة كفاءات ام شراكة وطنية، ويحار العقل عن تفسير حالة المزاوجة بين المطالبة بإقالتها، والإحجام عن المشاركة فيها.. والتشدد في الوقت ذاته بضرورة مشاركتهم في القرار السياسي.. إلا ان تكون الغاية استدعاء تجربة حزب الله اللبناني والنظام الإيراني حيث المرجعية الدينية وولاية الفقيه، بما تتيحه من إمكانات هائلة في التحكم بالقرار السياسي دونما مشاركة في المسؤولية... في تغافل عن محددات تُلزم أن يستتبع ممارسة الإنسان لحقوقه، ضرورة تحمل مسؤولية ما يفعل.


إن دعم أطراف محلية ودولية للحركة الحوثية وانشغال مكونات سياسية واجتماعية بإسقاط النظام ثم بمداولات فعاليات الحوار الوطني، ليستغرق النشاط السياسي اهتمام الدولة والحكومة، كونها معنية أساسا بإنجاز المرحلة الانتقالية وإنجاح الحوار، جرى على حساب الملفين الأمني والاقتصادي الذين ظلا قابعين في الظلام، ثم إن تركيبة الحكومة من طرفين متضادين أثمر حضورا طاغيا للمكايدات السياسية على عملها، وجعلها عاجزة عن تحقيق رغبات المواطن في الجانب الخدمي والتنموي ...وجميعها مقدمات أنتجت تمددا سريعا للحركة الحوثية لتتسع مطامحها الأنانية غير عابئة بكونها تتغيا ارتداء ثوبا فضفاضا يفوق حجمها، وأنها ليست غير أداة بيد قوى أخرى سرعان ما ستنفض عنها يديها الحانيتين غداة تبدل مسارات السياسة، لتنكشف قوتها الفعلية المكافئة لأي حركة سياسية لا تحوز مشروعا وطنيا ، بل أوهام طائفية ستفضي حتما لاستعداء نقيضها الطائفي سواء كانت القاعدة او أنصار الشريعة او غيرها من جماعات العنف الديني، لتدخل البلاد في دوامة صراعات بدأت مؤشراته لتنبئ بإمكانية فتح بوابة الجحيم على مصراعيها إن لم يتدارك الأمر عقلاء البلاد.

مقالات الكاتب