كيف خسرت إيران العرب

في تاريخها الحديث نجحت إيران في خسران تعاطف الشارع العربي سواءً على مستوى الشعوب والحكومات أو حتى النخب والوعي الجمعي ، ونجحت فقط في اجتزاء مجموعات صغيرة تعمل لصالحها تحولت مع مرور الأيام والأحداث إلى منبوذة وغير قادرة على التأثير في الرأي أو القرار العام ، مع أن الثورة الإيرانية في بداياتها رفعت شعارات براقة مثل "نصرة المستضعفين" و "تحرير القدس" ، وهي شعارات استقطبت تعاطفاً في العالم العربي ، غير أن السنوات التالية أثبتت أن الأفعال الإيرانية في المنطقة كانت مناقضة لتلك الشعارات ، وظهرت حقيقة إيران لتتحول من طرف يدّعي مناصرة قضايا الأمة إلى لاعب مزعج يمارس سياسات الهيمنة والطائفية ونشر الفوضى ، وهو ما كانت نتيجته الطبيعية خسارة تعاطف شعوب المنطقة ونخبتها وصناع القرار فيها.

من أبرز الأخطاء الإيرانية إصرارها على "تصدير الثورة" وهو مبدأ كرّسه الدستور الإيراني نفسه وسعت طهران لتحقيقه من خلال دعم مجموعات موالية لها في الدول العربية ، وخاصة التي يتواجد فيها من يحملون الفكر الشيعي ، وترجمت فكرة التصدير هذه عبر محاولة تمكين هذه المجموعات لتسيطر على الدول التي تتواجد فيها ، وتقديم النموذج الإيراني كبديل عن أنظمة الحكم السائدة ، وهذا جعل الشعوب والحكومات على حدٍ سواء ترى في إيران خطراً على سيادتها الوطنية ، والأسوأ أن هذا التدخل لم يكن سياسياً فقط ، بل كان مصحوباً بدعم عسكري واستخباراتي جلب للمنطقة الفوضى والصراع ، وهو ما يضرب مقومات الاقتصاد ويعيق التنمية والتطور ومواكبة العصر.

سياسات إيران في المنطقة العربية أعادت استزراع الانقسامات الطائفية وغذت الصراعات تحت هذه اللافتة القاتمة ، وبالتالي الاستثمار في هذه الصراعات لتحقيق نفوذها ، والوصول لأهداف تخصها هي فقط ، ولتحقيق أهدافها دعمت طهران ميليشيات طائفية في اليمن والعراق ولبنان وسوريا ، وكانت النتيجة شلال من الدماء في كل قطر وجرائم طائفية متنوعة بحق الشعوب تحت شعار "يا لثارات الحسين"! ، وهذا ما حدث في العراق بعد 2003، وسوريا بعد 2011 ، واليمن منذ 2014 ، ولبنان على مدى العقود الماضية ، وكانت النتيجة ملايين اللاجئين والضحايا ، وفشل سياسي واقتصادي ، وهذه السياسات وما نتج عنها دفعت العرب إلى اعتبار إيران فاعلة أساسية وليست شريكة فقط في كل جريمة أُرتكبت بحق شعوب المنطقة.

لم تتعامل إيران مع الدول العربية ككيانات ذات سيادة ، بل بنت نفوذها عبر دعم ميليشيات مسلحة موازية للدولة ، ففي لبنان دعمت "حزب الله"وهو ما أدّى إلى تقويض سلطة الدولة لعقود ودخول البلد في حالة فراغ سياسي وفشل اقتصادي ، وفي العراق أسّست عشرات الفصائل الولائية التي باتت أقوى من الجيش نفسه وهو ما حول الدولة ومقوماتها إلى لعبة بيد هذه الفصائل الطائفية ، وفي اليمن دعمت الحوثيين الذين انقلبوا على الشرعية وقتلوا ودمروا كل مقومات الدولة اليمنية واضروا بحالة الوئام مع دول الجوار والاقليم ، وهذا كله دفع العرب إلى الاعتقاد بأن إيران لا تسعى إلا لخلق دول فاشلة تابعة لها ، وهو ما يمثل تهديداً وجودياً للمنطقة شعوباً وحكومات ، وبالتالي خسرت محيطها العربي ، وصنعت صدعاً لا يمكن ترميمه إلا بتحول حقيقي في رؤيتها للمنطقة.

دمتم سالمين..

مقالات الكاتب